-
/ عربي / USD
هذا كتاب عن الجسد، من بين أشياء أخرى، ولكنه (أو هذا على أية حال هو ما آمله بكل جوارحي) ليس جسداً من النوع الرائج حالياً في الدراسات الثقافية والذي أصبح، بوصفه موضوعاً للنقاش، جسداً ضيقاً استبعادياً مكروراً إلى حدٍّ ممل. هناك، إذاً، موضوعة ضمنية سجالية للدراسة تسعى إلى معاينة أنماط من الخلق في الإنسان، نحَّتْها المدرسة التقليدية ما بعد الحداثوية جانباً من حيث الأساس، والتي تصح، من بين أشياء أخرى، على جميع الأجساد البشرية بصرف النظر عن الجنس والإثنية مثلاً. وأحسب أن هذه الكونية بلا خجل ستثبت كونها فضائحية بما فيه الكفاية بنظر مفوضي الرقابة على الخطاب الثقافي المعاصر. ويبدو أن طلاب الدراسات العليا في أنحاء العالم هذه الأيام، الذين لا يشتغلون على قصص عن مصاصي دماء أو روايات غرافيكية، يشتغلون على الجسد ولكن بطرق تستبعد مقاربات مجدية إزاءه. وكما هي العادة فإن الذين يسبِّحون بحمد الشمولية الجامعة يجهلون على نحو لافت حجم ما تغفله مصطلحاتهم المفضلة. فالدراسات الثقافية تُعنى في الغالب بالجسد الإثني، المحدَّد جنسه، الشاذ، الجائع، المبني، الهرِم، المزيَّن، المعوَّق، السيبرنيطيقي، البيولوجي، السياسي ـ الجسد بوصفه موضع نظر جنسوي، محل متعة أو ألم، منقوشاً بالقوة أو الانضباط أو الرغبة. جسد الإنسان الذي نتعامل به في هذا الكتاب هو، على النقيض من ذلك، جسد من النوع الابتدائي. وهو ليس بناء ثقافياً في المقام الأول، بل ما يُقال عنه يصح في كمبوديا بقدر ما يصح في تشالتنهام (لندن)، يصح على الإناث البلجيكيات بقدر ما يصح على الذكور السريلانكيين. وإذا كان يصح على هيلاري كلنتون فإنه يصح بالقدر نفسه على سيسرو. وأولئك الدوغماتيون ما بعد الحداثويين، الذين من المدهش أن تكون جميع الدعاوى الكونية عندهم دعاوى ظالمة باستثناء ذلك الادعاء الكوني المعين، هم الذين من المرجح أن تثير مقاربة كهذه حفيظتهم.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد