سيخرج مع ساعات النهار ا لأولى، يتجول في مدينته لآخر مرة، ثم ينطلق صوب الساحة الكبرى، يقف تحت لوحتها الصخرية، فيعدد الأسماء كلها، يأتي عليهم واحداً واحداً، أصحاب العمائم والخواتم واللحى والبدلات الأنيقة والسراويل، يذكرهم بأسمائهم وألقابهم الصادقة والكاذبة، فإذا انتهى من...
سيخرج مع ساعات النهار ا لأولى، يتجول في مدينته لآخر مرة، ثم ينطلق صوب الساحة الكبرى، يقف تحت لوحتها الصخرية، فيعدد الأسماء كلها، يأتي عليهم واحداً واحداً، أصحاب العمائم والخواتم واللحى والبدلات الأنيقة والسراويل، يذكرهم بأسمائهم وألقابهم الصادقة والكاذبة، فإذا انتهى من آخرهم، يشعل أعواد الثقاب. تناول علبة الكبريت، هزها عدة مرات، جلس على الأرض، يستعين برطوبتها الباردة على حرارة أحزانه، يريح على صلابتها متاعب سنينه المرهقة، عمره الذي ضاع ما بين جبهات الحروب وعذاب السجن ومتاعب ما بعده، فصار كائناً موجوعاً في نومه ويقظته، مسكوناً بالحزن والألم، حتى ذكرياته انقلبت ضده، عدواً شرساً لا يرحم، يجلده كلما وجده مسترخياً، يمزّق صمته بصيحات مرعبة كلما أراد الانقطاع عن هذا العالم.