الممثل الذي لامس تخوم العبقرية، وتخطاها، كان مخرجاً لامعاً مُجدداً، حدد من خلال عروضه جماليات الإخراج في القرن العشرين، ورأى كثير من النقاد والفنانين، أن ستانيسلافسكي المخرج صار من الكلاسيكيين في سيرورة مسرح موسكو الفني والمسارح الأخرى، ومعرفته العميقة بسيكولوجية...
الممثل الذي لامس تخوم العبقرية، وتخطاها، كان مخرجاً لامعاً مُجدداً، حدد من خلال عروضه جماليات الإخراج في القرن العشرين، ورأى كثير من النقاد والفنانين، أن ستانيسلافسكي المخرج صار من الكلاسيكيين في سيرورة مسرح موسكو الفني والمسارح الأخرى، ومعرفته العميقة بسيكولوجية الممثل، وخبرته المسرحية العملية، أعطته إمكانية الكشف عن مكنون النصّ، الذي يسمح لكل مؤد، بأن يُعلن عن نفسه، وعن فرادته، وبالتالي عن ذاته كمبدع، ما كان يردد، ولم يتعب من ترديده أبداً، ضرورة تجسيد حياة الروح الإنسانية، ولم يخلُ عمل من أعماله الإخراجية من الجمال الحقيقي للعلاقات الإنسانية، وفي السياق نفسه، كان يصرّ على إبراز الوعي العميق للوضع التاريخي أو المعاصر، الذي تحركت في إطاره، وعاشت وعانت وكافحت وأحبت شخصيات البطلة، سواء كانت تراجيدية أو كوميدية. لم يكن ليتجاهل ما ندعوه اليوم بالإرشادات المسرحية، التي يبثها المؤلف في ثنايا مسرحيته، كان يسعى إلى ترجمة كل ملاحظة، من ملاحظات المؤلف، إلى لغة المسرح، تسعفه في ذلك الفانتازيا المجنحة، التي لا حدود لها، متجاوزاً الحواجز كلها في الفضاء المسرحي، وفي الزمن أيضاً، تستوي في ذلك موسكو نهاية القرن السادس عشر، أو قبرص، حيث جرت تراجيديا عطيل، أو القرية الروسية، أو المدينة، أياً كانت طبيعتها، كل هذا كان قريباً من ستانيسلاسفكي المخرج، ولم يكن على دراية بالعوالم الداخلية للممثلين فحسب، وإنما بكل تفصيل من تفاصيل آلية المسرح، ولم يكن يهمل أي جزء من أجزاء العرض، أو يؤجل البت فيه. وفي كتابه (حياتي في الفن)، يتحدث ستانيسلافسكي عن الديكور والملابس والإضاءة والموسيقى والإكسسوار، ويؤكد أنها كلها تخضع لسيطرته.