هذه النصوص منتزعة من يومياتي، ولكن بحب تصرف سحر الخيال. استجابة لذاكرتي ومخيلتي معاً. آخذ صورة الفوتوغراف، وأتصرف بالرسم على سطحها حراً مع فرشاة الألوان، حدث أن حاولت ذلك في كتاب "مدينة النحاس" (دار المدى 1995)، ولعلي حاولته في مقالاتي بين الحين والآخر، وسأظل أحاوله في مقعد...
هذه النصوص منتزعة من يومياتي، ولكن بحب تصرف سحر الخيال. استجابة لذاكرتي ومخيلتي معاً. آخذ صورة الفوتوغراف، وأتصرف بالرسم على سطحها حراً مع فرشاة الألوان، حدث أن حاولت ذلك في كتاب "مدينة النحاس" (دار المدى 1995)، ولعلي حاولته في مقالاتي بين الحين والآخر، وسأظل أحاوله في مقعد الاستراحة الذي يتوسط دربي الشعر والدراسة، إذ كلا هذين لا يمنحاني لذاذة النثر الحكائي. في الشعر تتصرف بي اللغة على هواها، وعلى هواي أتصرف باللغة في غير الشعر. أثق بلغة الشعر لأنها غير هادفة لمقاصد مبيّتة. لغة النثر العاقل خادعة لأنها توهمك بمقاصدها باتجاه الواقع أو الحقيقة. ومن يجرؤ على الإعلان عن معرفته بكليهما، وبأي مظهر مرئي يمكن أن يتجسّد لهما خارج قحفة الرأس؟ فكيف لي أن أصدّق بأن مدينة المنفى الذي أعيشه حقيقة أم محض حلم؟ ولكن نثر الحكاية طيّع، تستطيع فيه أن تقفز من مقعدك وأنت منكبّ على صفحة الكتابة وقد استعصمت عليك الكلمات، وتدخل بيسر في المرآة، وتختفي. هيرمن هيسه فعلها في واحدة من قصصه.
لا يخلو عالم الواقع من امتداد له لا يتضح للبصر، بل للبصيرة وحدها. ولا يخلو العالم الخفي والمجهول الذي يحيط بنا من آثار خطوات يتركها على تربة الواقع. والشعر والحكاية احتفاء بنقاط التماس بين هذين العالمين. لم أتخلّ عن احتفائي هذا حتى في حياتي الخاصة. وحدها المرآة التي تخيّب ظني، صحيح أنها تعكس صورتي، فتجعل من أذني اليسرى أذناً يمنى، ولكنها لا تفاجئني، وأنا أرتقي السلم ليلاً إلى غرفة النوم، بشكلي وقد مسخ سعلاةً أو سحلية.