"وزعم الصديق الشاب القديم أنه يسره أعظم السرور حقاً أن يرى فيشل من جديد، ومشكا فيشل من التطور الرديء للزمن ومن العمل الثقيل ومن إنحلال الأخلاق بصورة مطلقة قائلاً أن كل شيء قدبات مفرطاً في المادية والشرع، وردّ أو لريش قائلاً: "على أنني كنت أحسب للتوّ أن في وسعي أن أحسدك إذ لا...
"وزعم الصديق الشاب القديم أنه يسره أعظم السرور حقاً أن يرى فيشل من جديد، ومشكا فيشل من التطور الرديء للزمن ومن العمل الثقيل ومن إنحلال الأخلاق بصورة مطلقة قائلاً أن كل شيء قدبات مفرطاً في المادية والشرع، وردّ أو لريش قائلاً: "على أنني كنت أحسب للتوّ أن في وسعي أن أحسدك إذ لا بد لمهنة التاجر أن تكون مصحاً حقيقياً للنفس بلا ريب! فهي على الأقل المهنة الوحيدة ذات الأساس النظيف من الناحية النظرية، وأكد فيشل قائلاً: "إنها كذلك!"، وأضاف قائلاً بإكتئاب: "فالتاجر يخدم التقدم البشري ويكتفي بمنفعة مشروعة وهو يعاني في هذا السبيل معاناة مساوية لكل امرئ آخر على وجه الدقة!". وكان أولريش قد أعرب عن إستعداده لمرافقته إلى البيت، وحين وصلا إلى هناك وجدا جواً متوتراً إلى أقصى الحدود، كان قد حضر كل الأصدقاء، وكانت تدور رحى معركة كلامية كبرى، وكان هؤلاء الشباب ما زالوا يتردّدون على المدرسة الثانوية أو كانوا في الدورات الأولى من المعاهد العليا وكان بعضهم يقوم بوظيفة التجار. أما كيف التأمت حلقتهم فذلك ما لم يكونوا يعرفونه بعدهم أنفسهم فكان منهم من تعرف على الآخر في روابط الطلاب القومية، وآخرون في حركة الشباب الإشتراكية أو الكاثولوكية وفئة ثالثة ضمن طائفة من الجوالين، ولا يخطئ المرء تماماً حين يفترض أن القاسم المشترك بينهم جميعاً كان لوفيشل، وذلك أن الحركة الفكرية تحتاج إذا كان يراد لها أن تدوم إلى جسم، وكان هذا الجسم هو مسكن فيشل، بالإضافة إلى حاجتها إلى العناية وإلى قدر معيّن من ضبط حركة الإتصال عن طريق السيدة كليمنتينا، وكان ينتمي إلى هذا المسكن حيروا وإلى حيروا كان ينتمي هانز زيب الطالب المتسم بلون البشرة غير النقي، والروح الأكثر نقاءً، وما كان القائد في الحقيقة لأن الشباب لا يعترفون بقائد، غير أنه كان يمثل العاطفة الجامحة الأقوى بينهم، ولا ريب أنهم كانوا يليقون في أماكن أخرى أيضاً من حين إلى آخر، وكانت نسوة آخريات سوى جيروا يحللن ضيوفاً، ولكن بهذه الطريقة التي وصفت كان قد تم إنشاء نواة الحركة وعلى الرغم من كل ذلك، كان مما يلفت النظر إلى حدٍّ بعيد المكان الذي جاء منه روح هؤلاء الشباب مثلما يكون ظهور مرض جديد، أو مثلما يكون ظهور سلسلة طويلة من الإصابات في لعبة من ألعاب الحظ. فحين أخذت شمس المثالية الأوروبية القديمة تخبو، وأخذ الفكر الأبيض يشيع الظلام، أخذ كثير من المشاعر تتداوله بدٌ عن يد أخرى، مشاعر من الفكر والله تعالى يعلم من أين سرقت أو أين اخترعت 1-ويشكل هنا وهناك بحيرة النار المتراقصة علوّاً وإنخفاضاً في مجتمع فكري صغير. وهكذا، كان يدور الحديث في السنوات الأخيرة قبل أن تستخلص الحرب الكبرى الننتيجة من ذلك في كثير من الأحيان عن الحب والمجتمع أيضاً، وكان الشباب من المعادين للسامية في بيت مدير المصرف، نيشل، يحملون لواء الحب والمجتمع الشاملين لكل شيء، فالمجتمع الحق يمثل عمل شريعية داخلية وأعمق الشرائع وأبسطها وأكملها وأولها شريعة الحب... وبالطبع، فإن المرء لا يستطيع أن يحب كل إنسان، ولكنه يستطيع أن يكن الإحترام الشخصية كل امرئ ما دام يتسم بالطموح على أنه الإنسان الحق... الزمان هو القرن التاسع عشر والمكان أوروبا: النمسا وألمانيا، إنجلتره... يعكس الروائي المناخات التي كانت تسود في تلك الآونة التي شهدت فيها أوروبا ذلك التحول التاريخي، والذي شهدت فيه ثورات وإضطرابات نتيجة العوامل الإجتماعية... إنه الصراع بين الأرستقراطية والبرجوازية بين التدين والعلمانية... وبين الإنسان المتعالِ والإنسان المسحوق.