كتب تيوفيل غوتييه النصّ الأساسيّ لعمله ذي العنوان المُغري "الفن الحديث L'art moderne" عام 1848 لكنه لم يُنشر سوى في عام 1856، وهو يتعلّق بالرسّام الفرنسي المنسيّ، المجهول قليلاً بول شينافار، وإلى جواره مقالات حول مواضيع أخرى مرتبطة بشؤون ثقافية وتشكيلية شتى. العنوان وحده مشروع كامل،...
كتب تيوفيل غوتييه النصّ الأساسيّ لعمله ذي العنوان المُغري "الفن الحديث L'art moderne" عام 1848 لكنه لم يُنشر سوى في عام 1856، وهو يتعلّق بالرسّام الفرنسي المنسيّ، المجهول قليلاً بول شينافار، وإلى جواره مقالات حول مواضيع أخرى مرتبطة بشؤون ثقافية وتشكيلية شتى. العنوان وحده مشروع كامل، لأنه يمسّ من جهة معنى (الحداثة) في أوربا، الممنوحة شتى الظلال في سياق تاريخيّ متقدِّم، وفي إطار ثقافي على دراية بالمصطلحات التي يستخدمها، ويتماسّ من جهة أخرى مع التضبيب المرافق لمفردة (الحداثة) عربياً وارتباطها الواعي أو اللاواعي (بالتحديث) الشكلانيّ والتقنيّ غالباً، ثم عدم اتساقها مع تطوّر تاريخيّ مماثِل أو سياق مفهوميّ صارم. سيبدو مدهشاً بعض الشيء أن يُنجَز في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر كتاب بالعنوان هذا، بل سيبدو خارقاً للعادة عندما نقارِبه، ولا نقول نقارِنه، بتأخر وصول المصطلح في الثقافة العربية، ناهيك، من جديد، عن الالتباس المحيط باستخدامه حتى اللحظة الراهنة. إن السجال حول حداثة الرسّام شينافار صار في فرنسا في لحظة ما سجالاً حول مفهوم الحداثة نفسه. اصطف بودلير مع بلزاك بشأن شينافار، وقدّما كلاهما تصوّراً (للحداثة) معارضاً لتصورات نيرفال وغوتييه عن الرسام عينه. إن موقف الجبهتين: (بودلير- بلزاك) من جهة و(نيرفال - غوتييه) من جهة أخرى يعكس فهمين متفارِقين للحداثة في فرنسا، بل يطرح مأزقها في تلك اللحظة. خلافاً لبودلير، كتب تيوفيل غوتييه متحمِّساً لمشروع الرسّام، وعبره عن تصوراته للحداثة. وغوتييه شاعر وروائيّ ورسّام وناقد فني (1811-1872). ينتمي إلى المشروع البرناسيّ الذي كان لحظة أساسية في تطور الشعر الأوربيّ. كانت هناك، في فرنسا منتصف القرن التاسع عشر، حركتان تتقاسمان الفضاء الشعريّ، هما الرومانتيكيّة والبرناسيّة . كان لامارتين وهيغو وفيني يندرجون في الأولى، وكان غوتييه وبانفيل ولوكونت دو ليسل وغيرهم في البرناسية. بودلير لم يكن في هذا ولا ذاك.