العربية لغة جسيمة عظيمة قويمة، لأمة كريمة عظيمة، وقد حافظت على قوامها، ونظامها، وكلامها بقرآنها العزيز، وتراثها الأدبي البارع، طوال العصور التي انصرمت بين زمن الجاهلية، وهذا العصر، وهي لا تزال قوية الكيان، عليّة. ولقد أصابها من الشوائب ما لم يكن لها منه مندرج في ضرورات...
العربية لغة جسيمة عظيمة قويمة، لأمة كريمة عظيمة، وقد حافظت على قوامها، ونظامها، وكلامها بقرآنها العزيز، وتراثها الأدبي البارع، طوال العصور التي انصرمت بين زمن الجاهلية، وهذا العصر، وهي لا تزال قوية الكيان، عليّة. ولقد أصابها من الشوائب ما لم يكن لها منه مندرج في ضرورات شعرية سجعية وأوهام للخواص والعوام. قد تداركها الأدباء القدامى بالتأليف والتنبيه وإيضاح اللهجات. هذا وأن لكل عصر جمل ومفردات وتعابير ومصطلحات، ومجازات واستعارات تتحكم بالكاتب المقلد ولا يتحكم بها. إلا أن عصرنا هذا قد باين جميع عصور اللغة العربية المنصرمة بالظلم الذي أصابها فيه، مع أنه سمي عصر النهضة العربية واليقظة الأدبية وذلك أنه ظهرت فيه طبقة من المترجمين، أتقنوا اللغات الأعجمية، واستهانوا باللغة العربية فلم يتقنوها، وبثوا في العالم العربي ترجمتهم الفاسدة لعلوم الغرب وفنونه وآدابه وسياسته، وتاريخه وعلم اجتماعه. هذا ولا يشفع للمثقفين من غير ذوي الاختصاص بالعربية أن يهملوا أصول لغتهم بأية ذريعة كانت، فاللغة عنصر مهم من عناصر الشخصية، وركن رئيسي من أركان الثقافة التي نتعهد أنفسنا بها، كي نواكب مسيرة الحضارة، فالعلماء والمؤرخون في أية أمة من الأمم لا يهملون لغاتهم ولا صرفها، ولا فقهها. ويمكن القول بأن أسباب شيوع الأخطاء اللغوية والنحوية في لغتنا العربية كثيرة، وأن الباحثين الذين أشاروا إلى الأخطاء اللغوية والنحوية في كتابات الدارسين كثار، والبحث في هذه القضية يرقى إلى عصور سابقة، فأول من نبّه إلى الأخطاء في الاستعمال اللغوي هو العالم اللغوي المؤرخ “ابن حتيبة” المولود بالكوفة سنة 213هـ والمتوفي في بغداد سنة 276هـ، وقد خلف هذا العالم تصانيف كثيرة منها “أدب الكاتب” الذي احتوى على أبواب كثيرة في مجال تصحيح الأخطاء، وخاصة ما أفرده المؤلف من “كتاب المعرفة” في باب معرفة ما يضعه الناس في غير موضعه. وعرف اللغويون عالماً آخر هو “الحريري” صاحب المقامات، يؤلف كتاباً في الميدان نفسه هو: “درّة الغواص في أوهام الخواص”. وقد سار البحث اللغوي بعد ذلك في التنبيه على الأغلاط والأوهام النحوية وأول من ألّف فيه في أيام النهضة اللغوية الحديثة السيد شهاب الدين أبو الثناء محمود بن عبد الله الألوسي ثم البغدادي (1117 – 1270هـ) واسم تأليفه “كشف الطرّة عن الفرّة”.. وفيه زيادات تدل على سعة علم الألوسي بالعربية وطول باعه في النقد اللغوي. وتسير الأبحاث اللغوية في النهج نفسه، فنجد في أواخر القرن التاسع عشر الكاتب اللبناني “إبراهيم اليازجي” يؤلف كتاباً هو “لغة الجرائد”، ثم من بعده جاء الكاتب المصري “أسعد خليل داغر” بكتابه “تذكرة الكاتب”. ويأتي الدكتور مصطفى جواد صاحب هذا الكتاب ليكمّل جهود سابقيه زائداً عليه ما اجتهد فيه من الملاحظات والشروح بهمة عالم جهبذ، وقلم باحث رصين، بل أن عنوان كتابه “قل ولا تقل” كان قد تأثر به ناقلاً إياه من الدراسات اللغوية في فرنسا، فهناك لا يعدم الباحث أن يجد كتباً كثيرة بهذا العنوان: “Dites Et Ne Dites Pas” أي “قل ولا تقل”، من باب تصويب الأخطاء التي نشيع في كتابات الدارسين الفرنسيين. فالدكتور مصطفى جواد اقتبس عنوان كتابه من اللغويين الفرنسيين وطبقه على محتويات اللغة العربية التي كان فارسها المجلّي، وأحد علمائها الأفذاذ. ومن خلال كتابه هذا يحاول الدكتور جواد التنبّه على الأخطاء الشائعة ذاكراً الصواب، ومشيراً إلى التصحيح، ومعيباً على المصريين على الخطأ خطأهم، فليست اللغة ميراثاً لهم وحدهم فيعملوا بها ما يشاؤون من عبث.