متوحد وواحد رغم كثرة الحاشية والمريدين، يعرف الخديعة ولكنه يستمرئ ابتسامات التملّق وكلمات المديح لأنّها تُسمعه صوت ذاته، والحشد المصفوف تحت منصَّته يغريه ويطريه ولكنّه يزيد وحشته. ولأنّه لا يرى غير ذاته ستبدو له هذه الحشود ظلالاً باهتة، ومع ذلك يريدها لأنه يخاف وطأة...
متوحد وواحد رغم كثرة الحاشية والمريدين، يعرف الخديعة ولكنه يستمرئ ابتسامات التملّق وكلمات المديح لأنّها تُسمعه صوت ذاته، والحشد المصفوف تحت منصَّته يغريه ويطريه ولكنّه يزيد وحشته. ولأنّه لا يرى غير ذاته ستبدو له هذه الحشود ظلالاً باهتة، ومع ذلك يريدها لأنه يخاف وطأة الوحدة.يدري أنّه لن يملك الحب ولن يحصل عليه، فيستعيض عنه بالخوف الذي يوحّد الناس تحته. لقد جلبوا إليه، من دوائرهم ومدارسهم ومصانعهم، حشوداً كالقطعان، لا رغبة منهم، يعرف ذلك، يعرف الخديعة كاملة، لكنه يعبد الجمهور ويمسحه بعينيه من اليمين إلى الشمال، ومن أبعد واحد على عمود الكهرباء، حتى أقرب واحد في الصفوف الأمامية، قبل أن يقول أول كلماته فتدوي الهتافات والتصفيق. يعرف أن هذا الجمهور سينقلب ضده حين يتحرك الغوغاء. لكنه يستمرئ اللحظة الراهنة كأنها الأبد.لا يريد إرادة أخرى غير إرادته، ولذلك يتحتّم عليه أن يصرع النيّة قبل أن تستحيل فعلاً، وما من وسيلة لذلك غير إشاعة الخوف لإبقاء الناس تحت وطأة ذنب دائمة حتى وإن لم يفعلوا شيئاً. يدري تماماً كثرة ضحاياه، ولكنّه لا يستطيع إلّا أن يوقع أحكاماً جديدة فقد اصبح القتل حرفة الحكم اليومية التي لا عصبية فيها. قد يباغته ضميره في لحظة صفاء نادرة، ولكنّه سينحي ضميره ويوقِّع قائمة جديدة. فما دام قد قبض على جمرة السلطة في بلد يناكده فلا مجال إذاً للتراجع حتى نهاية الشوط.