الآجرّة لا تصبح مفهوماً معمارياً إلا إذا تسلسلتْ هندسياً. كذلك الأفكار الشيكسبيرية نقترب من مدلولاتها أكثر إذا ما قَرَناها بما قبلها، وبما يلحقها. يبذر شيكسبير في الصفحات الأولى كلمات هي بمثابة مفاهيم تبدو عائمةً، أو عفو الخاطر. تعود ثانية في موقف آخرعلى لسان الشخصية نفسها...
الآجرّة لا تصبح مفهوماً معمارياً إلا إذا تسلسلتْ هندسياً. كذلك الأفكار الشيكسبيرية نقترب من مدلولاتها أكثر إذا ما قَرَناها بما قبلها، وبما يلحقها. يبذر شيكسبير في الصفحات الأولى كلمات هي بمثابة مفاهيم تبدو عائمةً، أو عفو الخاطر. تعود ثانية في موقف آخرعلى لسان الشخصية نفسها ، أو على لسان شخصية أخرى فتأخذ دلالة جديدة، تعود ثالثة ورابعة وفي كلّ مرّة تأخذ بعداً جديداً. فإذا بالشخصيات وكأنْ تتبادل الأدوار، وكأنْ نحن البشر مجرّد ممثلين، نتبادل الأدوار من حالٍ إلى حال.. القراءة الجادة تتقصّى تلك الأفكار، وكيف تنتقل وتتطوّر. أعاد شيكسبير في مسرحية الملك لير، صياغة الإنسان بنِسبٍ ومقاديرَ مختلفة عما جبلته عليه الشرائع الدينية والدساتير الدنيوية. أراد أن يُرجع الإنسان إلى طبيعته. ولأنّ شيكسبير معنيّ في هذه المسرحية بالإنسان وهو في أتون التكوّن، وبالعالم وهو في أتون التمظهر، لذا ما من شيء ثابت، أو ساكن. حتى الجنون في رأس الملك لير، غير كامل الصيغة، فهو يتراوح نعمةً ونقمة.. المعركة بين العالم الأصغر (الإنسان) والعالم الأكبر(الكون) لا يمكن لها أن تتوقف لأن الانتصار فيها قلِق، والاندحار فيها مؤقت. بكلمات أخرى؛ ما من شرّ لا يعود بنفع، وما من خير خالٍ من ضرر. إنْ أحببتَ شيئاً قد يكون شرّاً، وإنْ كرهتَ شيئاً قد يكون خيراً. حتى الجنون في رأس الملك لير في طور التشكّل. لم يكتملْ وهذه مأساته.