منذ أن سجلت ذكرياتي عن نازك الملائكة في مقال عنوانه ( تلك أيام خلت ) ظلت تخامر ذهني فكرة الكتابة عن سيرة حياتها بشكل تفصيلي بحيث أستطيع أن أعطي صورة شخصية حية لها تنبض بالحركة. كنت أدرك أن هذا العمل صعب، فالكتابة هنا لا يمكن أن تقتصر على الكتب الموجودة فوق رفوف المكتبات كما هي...
منذ أن سجلت ذكرياتي عن نازك الملائكة في مقال عنوانه ( تلك أيام خلت ) ظلت تخامر ذهني فكرة الكتابة عن سيرة حياتها بشكل تفصيلي بحيث أستطيع أن أعطي صورة شخصية حية لها تنبض بالحركة. كنت أدرك أن هذا العمل صعب، فالكتابة هنا لا يمكن أن تقتصر على الكتب الموجودة فوق رفوف المكتبات كما هي الحال في كتابة الدراسات والأبحاث، بل تحتاج إلى دراسة ميدانية أيضاً، الاتصال بعشرات الاشخاص ابتداء من الشاعرة وأخوتها إلى اقاربها وأصدقائها ومعارفها،وكل هذا يحتاج إلى وقت ونشاط في الزيارات والاتصالات والذهاب إلى مناطق متباعدة في أرجاء بغداد الواسعة ومعرفة عناوين الناس والتفكير بمدى تقبلهم لمثل هذه الزيارات. لم تغب عن ذهني مثل هذه التعقيدات في العمل وأنا أقدم عليها. كنت أدرك أنه ينطوي على شيء من المغامرة واكتشاف ما يسرني وما يسوءني، ما يشحذ عزيمتي أو يثبطها. غير أنني لم أكن أميل إلى التخلي عن هذه الفكرة، كنت أعتقد أنني اسطيع أن أنجح في هذا العمل، لأنني مطلعة منذ صغري على حياة نازك الملائكة وعائلتها والبيت الذي عاشت فيه. فقد كانت الزيارات مستمرة بين عائلتينا، وكنت اصغي لنازك عندما تقرأ الشعر، وأسعد عندما أسمعها تغني وتعزف على العود في آن واحد وأجلس صامتة مثل الآخرين عندما تُسمعنا الموسيقى الكلاسيكية. كنت معجبة بشخصيتها، بهدوئها، بتواضعها، بشاعريتها، بتوجيهها لنا. باهتمام الناس بها، كل ذلك كان حيياً إلى نفسي. وارتسمت لها في ذهني صورة شاعرية شفافة ظلت تلازمني حتى الآن.