"بعد ظهيرة أشد أيام الربيع دفئاً ونضارة انتهت تدريبات حفل التخرج في المدرسة الثانوية، وتدفق الفتية والفتيات، والآباء والأستاذة، خارج البناء الجديد للمدرسة الجيورجية الطراز القديمة. انفصل جيم ويلارد عن الحشد، وتوقف برهة على الدرجة العليا ومدّ بصره بحثاً عن بوب فورد، لكنه...
"بعد ظهيرة أشد أيام الربيع دفئاً ونضارة انتهت تدريبات حفل التخرج في المدرسة الثانوية، وتدفق الفتية والفتيات، والآباء والأستاذة، خارج البناء الجديد للمدرسة الجيورجية الطراز القديمة. انفصل جيم ويلارد عن الحشد، وتوقف برهة على الدرجة العليا ومدّ بصره بحثاً عن بوب فورد، لكنه لم يتبينه وسط حشد الفتية بالسترات الداكنة والسراويل البيضاء، والآباء بقبعات القش (كانت تلك موضة ذلك العام في فرجينيا). كثير من الرجال كانوا يدفنون السيجار، وهذا يعني أنهم من السياسيين. كان ذلك هو المقر الريقي وهو غني بشكل خاص بالموظفين الرسميين، ومن بينهم والد جيم، موظف دار المحكمة. ضرب فتى راكض ذراع جيم عابثاً. التفت جيم، متوقعاً أن يكون بوب. لكنه كان شخصاً آخر، ابتسم، ردّ له الضربة وتبادل معه الإهانات المرحة، وشعر بالأمان لعلمه أنه محبوب لأنه كان بطل المدرسة في لعبة كرة المضرب، والرياضيون كلهم يحظون بالإعجاب، خاصة المتواضعون منهم ويتسمون بالحياء مثل جيم. أخيراً ظهر بوب فورد: "هذا العام أنا، في العام القادم أنت". "كنت أتمنى حتماً لو أني أن الخريج" "أشعر كأنهم فتحوا باب السجن وأخرجوا عني إلى العالم الواسع الرحب. قل لي. كيف بدوتُ وأنا على خشبة المسرح أرتدي كيس البطاطا الأسود ذاك؟" "عظيماً". قهقه بوب، "ألا تعلم هذا؟ حسن هيا بنا نلعب ما دام لا يزال هناك بعض الضوء". "المدينة والعمود" "رواية جنسية-مثلية" للروائي فيدال كتبها في العام 1948، وكان مساعداً أول في الجيش وفي العشرين من عمره، وهو يقول وأنه وعند إعطائه مخطوط الرواية إلى ناشره في نيويورك، كرهها، وقال له محرّرٌ عجوز "لن تجد من يسامحك على هذا الكتاب". وفي العاشر من كانون الثاني 1948 كان من دواعي حزن جد غور فيدال أن روايته هذه "المدينة والعمود" قد نشرت، وكانت الصدمة كما يقول فيدال هي أمتع ما أثير في الصحافة. كيف جرؤ كتابنا الشاب الذي يكتب عن الحرب أن...؟ وفي غضون أسبوع أو اثنين أصبح الكتاب على قائمة المبيعات في الولايات المتحدة. وقد علق عليها الناشر الإنكليزي "جون ليمان" بقوله: "هناك فقرات في "المدينة والعمود" وهو كتاب حزين، ويكاد يكون مأساوياً وإنجازاً رائعاً في مجال صعب بالنسبة إلى شاب صغير غض، بدت للباعة الجوالين وللطابعين متمادية في الصراحة. وفي شهر نيسان من عام 1993، وفي جامعة نيويورك في أولباني قرأ عدد من الأكاديميين حفنة من الأطروحات حول "المدينة والعمود". والكتاب يطبع منذ نحو نصف قرن، وهو أمر لم يكن الكاتب يعتقده في العام 1948، حين رفضت صحيفة "نيويورك تايمز" أن تستعرضه أو تستعرض أي كتاب للمؤلف على مدى السنوات الست التالية.