ما كتبته هنا عن شارع الرشيد ليس رواية كما فعل زملاء لي، ففيه من سياق الرواية ما يوحي بأنها نص روائي يسرد وقائع حقيقية ومتخيلة، لكنه غير ذلك بالمرة، إنما هو نص حديث لا فواصل فيه بين الأنواع -وربما سيكون النقد الأدبي كذلك في المستقبل، فتكسر قوائمه المدرسية ومتاريسه النظرية-...
ما كتبته هنا عن شارع الرشيد ليس رواية كما فعل زملاء لي، ففيه من سياق الرواية ما يوحي بأنها نص روائي يسرد وقائع حقيقية ومتخيلة، لكنه غير ذلك بالمرة، إنما هو نص حديث لا فواصل فيه بين الأنواع -وربما سيكون النقد الأدبي كذلك في المستقبل، فتكسر قوائمه المدرسية ومتاريسه النظرية- ففيه من أحلام يقظة الشعر، ما يدل على أنها أوراق ذاتية، كتبت متقطعة عن شارع وحروب، وعن شارع ومدينة، وعن شارع وناس، عن حرب عشناها، أو عن حروب يجب أن لا تقع ولكنها وقعت، أو عن حوادث كانت أجنة في قلب البنية العسكرية فولدت وفي فمها النار، أو عن واقع يتشكل من جديد بطريقة اقتصادية وأيديولوجية مشوهة. أو عن أناس أعرفهم، كانوا يتجولون في الليل بعباءاتهم البيض، أتين إلينا من أعماق قبورهم وبيدهم حبال مشانقهم، أو عن أناس ولدوا بلا رؤوس، ولا أقدام، أصواتهم أنين، ولغتهم كتابة على جدران السجون، والمنافي والمعتقلات.