لقد جسد التصوف معنى الحكمة القائلة بأن الإبداع الحق يفترض بذل الروح في سبيل المطلق. والمطلق هو الكل الثقافي الخاص المبتدع في إشكاليات الحاضر وبدائل المستقبل. وليس مصادفة أن يكون اشتقاق العربية للإبداع والبديع والبدعة والتبديع من جذر واحد. فهو اشتقاق يكشف عما في الوجود...
لقد جسد التصوف معنى الحكمة القائلة بأن الإبداع الحق يفترض بذل الروح في سبيل المطلق. والمطلق هو الكل الثقافي الخاص المبتدع في إشكاليات الحاضر وبدائل المستقبل. وليس مصادفة أن يكون اشتقاق العربية للإبداع والبديع والبدعة والتبديع من جذر واحد. فهو اشتقاق يكشف عما في الوجود التاريخي للثقافة من مفارقة محيرة للعقل ومثيرة للوجدان. هي مفارقة تبرهن على أن التمثّل العميق لحقائق الثقافة مشروط بإدراك كيفية جمعها بين الضدين. فالجمع بين الضدين هو قدر المطلق. والتصوف أحد تجلياته الروحية الكبرى. فإبداعه مقيد بمعايير المطلق الإسلامي. من هنا قيمة انتمائه التام للثقافة الإسلامية وإبداعه فيها. لقد كشف التصوف عن أن عظمة الإبداع على قدر انتمائه لمرجعيات الثقافة وعن أن الإبداع العظيم هو الذي يصهر المرجعيات في معاناة إخلاصه للحق والحقيقة. بمعنى صهرها المتجدد في وعي الذات وتوظيف نتائجه في تعمير وعمران الكلّ العقلاني-الأخلاقي-الروحي للأمم.