غالباً ما درس الشعر الجاهلي بوصفه انعكاساً لنمد البداوة، أو صدوراً عن وعي بدائي، باعتبار الماهية (الايكولوجية) المباشرة للعصر، وهذا يعني أن ثمة خلطاً بين الشعر واللا شعر يفسر أحدهما بالآخر، الأمر الذي كان ذا أثر سلبي عميق على القيمة الفنية والحضارية للشعر الجاهلي. وهذا ما...
غالباً ما درس الشعر الجاهلي بوصفه انعكاساً لنمد البداوة، أو صدوراً عن وعي بدائي، باعتبار الماهية (الايكولوجية) المباشرة للعصر، وهذا يعني أن ثمة خلطاً بين الشعر واللا شعر يفسر أحدهما بالآخر، الأمر الذي كان ذا أثر سلبي عميق على القيمة الفنية والحضارية للشعر الجاهلي. وهذا ما يشكل جوهر مشكلة البحث. وحلاً لهذه المشكلة، ومحاولة لفهم حقيقة هذا الشعر، فقد اقترح البحث على نفسه رؤية يجدها كفيلة بذلك، وتقوم على عدد من المرتكزات الرئيسة، أولها الفصل بين الشعر-بما هو شعر-؛ والواقع-بمعناه الجامد-أو بين الشاعر والإنسان الجاهليين، بوصفهما وعيين مختلفين حد التناقض. موضوع هذا البحث بكر وواسع، فقد سعى إلى أن يبني رؤية شمولية تتمكن من تحليل الشعر الجاهلي وصولاً إلى مضامينه العميقة فنياً وحضارياً. ولذلك اعتمد على مجموعة كبيرة من المصادر في شتى المجالات المعرفية، دون تبني فكر معين يصدر عنه، لأن في ذلك انغلاقاً ينعكس سلبياً على قيمة أية رؤية ومنهجها ونتائجها. كما اعتمد على المتن الشعري بذاته، وحاول دائماً تفسيره بذاته، أو بما له علاقة جوهرية به، وكان هذا المتن مجموعة من أهم الدواوين والمجموعات الشعرية المحققة تحقيقاً علمياً. وقد اختار مها البحث النصوص التي يمكن أن تكون معبرة عن جوهر هذا الشعر، دون تفرقه بين شاعر مشهور وآخر مغمور، لأن أهمية أي نص تتحدد بما يمتلكه من رؤية ونضج فني. إن هذا البحث جهد حقيقي، ليس بما قدمه من نتائج، بل بما بذل من أجل إنجازه من وقت وتعب.