شهد العالم في العقد الأخير من القرن العشرين تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة. ولا بد أن المتتبع العربي قد لاحظ انعكاس ذلك وانسحابه على السياسة والفكر في منطقتنا العربية. فعلى أدنى تقدير زمني-إن لم نشأ المماحكة في بعد تاريخي أعمق-حدث منذ مؤتمر مدريد انعطاف خطير في...
شهد العالم في العقد الأخير من القرن العشرين تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة. ولا بد أن المتتبع العربي قد لاحظ انعكاس ذلك وانسحابه على السياسة والفكر في منطقتنا العربية. فعلى أدنى تقدير زمني-إن لم نشأ المماحكة في بعد تاريخي أعمق-حدث منذ مؤتمر مدريد انعطاف خطير في طبيعة وشكل الصراع العربي الصهيوني (الإسرائيلي)، أو قل ضغوطات ومحاولات خارجية وداخلية متنامية بقوة في هذا الاتجاه، تمثلت كما هو معروف بالنزوع إلى التسوية في إطار سلمي، وبرزت إلى الوجود مشاريع اقتصادية سياسية إقليمية لا تخفي طابعها الهجومي على الوجود العربي، وعلى الهوية الثقافية التاريخية القومية لهذا الوجود، تمهيداً وسعياً لدمج الكيان الإسرائيلي في المنطقة. على هذه الخلفية ظهرت في الساحة الفكرية العربية أفكار وأطروحات اجتماعية ثقافية وسياسية جديدة، غير مألوفة سابقاً، بدا وكأنها تستجيب بوعي أو بغير وعي (بقصد أو بغير قصد) لمتطلبات دمج إسرائيل في المنطقة. إن اعترافنا بالتحيز لما نعتبره قضايا أمتنا الأساسية، ليس ابتعاداً عن الموضوعية، بل هو مبدأ منهجي قوامه جدلية العلاقة بين المعرفي والأيديولوجي، بين الذاتي والموضوعي. إن هذا الموقف هو نوع من إعلانا لنوايا (إعلان مبادئ)، أو قل هو نوع من الشفافية التي تتيح لنا تناول موضوعاتنا في الضوء، ودون مداورة أو خداع للآخرين. ذلك هو اهتمام هذا الكتاب، وتلك هي الروح التي نناقش بها القضايا الثقافية والسياسية المطروحة والراهنة.