الوقائع والعبارات يستشعرها الدكتور رفعت سعيد تناوشه، تغالبه فيغلبها وتفرض نفسها عليه وعلى سطح ذاكرته، وتفترض أنه قد آن لها أن تخاطب الآخرين، وبرغم كل شيء يبدأ الكتابة ليسكب على هذه الصفحات مذكراته، أو هي بعض ذكريات، فالمساحة شاسعة بين المذكرات والذكريات، وتزداد اتساعاً...
الوقائع والعبارات يستشعرها الدكتور رفعت سعيد تناوشه، تغالبه فيغلبها وتفرض نفسها عليه وعلى سطح ذاكرته، وتفترض أنه قد آن لها أن تخاطب الآخرين، وبرغم كل شيء يبدأ الكتابة ليسكب على هذه الصفحات مذكراته، أو هي بعض ذكريات، فالمساحة شاسعة بين المذكرات والذكريات، وتزداد اتساعاً إذا ما أخضعت لعملية انتقاء صارمة، بأمل التجاوب مع ما هو "جدير بالمعرفة"، بالنسبة للقارئ. وما يرويه الدكتور سيد في هذه المذكرات هو رؤيته الشخصية للحدث أي في حدود ما رأى ما علم وسمع وفهم من موقعه كسياسي، أو حتى في حدود ما توهم هو أنه حقيقة من موقعه الحزبي. وقد عانى في حياته ثلاثة أنواع من الكتابة: كتابة التاريخ، والكتابة السياسية، ومحاولتين يتيمتين لكتابة الرواية، وهو عندما كتب المجلدات الخمسة لتاريخ الحركة الشيوعية المصرية حاذر وتعمد ألا يرد اسمه في أي منها، وها هو في مذكراته هذه يقع فيما حاول الابتعاد عنه، وها هو يضطر للكتابة عن نفسه، يكتب عن ذكرياته بأسلوب روائي يشدّ القارئ لمتابعة أحداثه، وبأسلوب أدبي يجعل للأحداث السياسية ظلالاً لطيفة، وبأسلوب فلسفي تجعل من المذكرات نظرات متأملة في هذا الجزء والذي هو الثالث من مذكرات الدكتور رفعت السعيد، يستعيد ما كان من ذكريات في السبعينات وما بعدها، التي كانت غنية بأحداث سياسية، خاصة فيما يتعلق بالتجمع... ومنحنيات الفعل الحزبي والسياسي في تلك الأيام، وهي أحداث انغمس الدكتور رفعت حتى كادت، كما يذكر، تكون قطعة منه ويكون قطعة منها.. ولعلها تكون مهمة للتعرف على الحدث الذي كان، والذي منه يجري نسيج ما يكون وهنا تكمن أهميتها.