ترك رفائيل بطي بعد رحيله المبكر في نيسان 1956 ذخيرة من الأوراق والمخطوطات الثمينة، كان من أهمها، ما يتعلق بمسيرته في ميادين الأدب والصحافة. فقد احتفظ بدفاتر وأجندات، بعضها مؤرخ، والكثير منها يخلو من التواريخ، ولكنها بمجموعها تحوي ما لا يحصى من الشذرات الجميلة، والذكريات...
ترك رفائيل بطي بعد رحيله المبكر في نيسان 1956 ذخيرة من الأوراق والمخطوطات الثمينة، كان من أهمها، ما يتعلق بمسيرته في ميادين الأدب والصحافة. فقد احتفظ بدفاتر وأجندات، بعضها مؤرخ، والكثير منها يخلو من التواريخ، ولكنها بمجموعها تحوي ما لا يحصى من الشذرات الجميلة، والذكريات الأجمل، والعديد من التعليقات العابرة والأقوال المأثورة، فكانت بحق، مشواراً هاماً في سفر طويل من تاريخ الأدب والصحافة وفي العمل السياسي، المحزب منه والمستقل في العراق. وهذه التركة والذخيرة، وإن حوت على ذكريات تؤرخ لأحداث بالغة الأهمية، يغلب عليها طابع السرد، إلا أنها لم تكن مذكرات أو يوميات معدة للطبع أو النشر، بقدر ما كانت حافظة لملاحظات وآراء صريحة وجريئة في أحداث عايشها وشخوص عاصرهم، عراقياً وعربياً، ثقافياً وسياسياً. إذ قدّر له أن يكون وهو في سن مبكرة أيضاً، شاهد أمل الكثير من الأسرار والصراعات الشخصية والمبدئية بين أصحاب القرار والمصير، من الأجانب والرجال الوطنيين، وبين واقع أمة تحاول أن تنهض من كبوتها في مرحلة صيرورتها، محلياً وإقليمياً في أتون المعارك القومية والوطنية المستعمر أورها في دنيا العرب، كتب رفائيل عن الكثيرين من رجالات الأدب والسياسة، في حياتهم وبعد مماتهم، كما كتب عنه كثيرون في حياته أيضاً وبعد وفاته، إلا أن ما كتبه عن نفسه، كان من أغنى ما كتب عنه؛ فقد احتوت مذكراته أسرار وأحداث في غاية الأهمية وهذا ما أكسب هذه المذكرات الأهمية. بدأ الرجل في تدوين يومياته لأول مرة وهو في سن الخامسة والعشرين، أي في الثلاثين من كانون الثاني 1925 عندما كان طالباً في كلية الحقوق ببغداد، وأنهاها في الثلاثين من تشرين الثاني 1929 صانعاً سبع وأربعين مفكرة \"دفتر الأسود\" كما أسماه، فكانت مذكراته لهذه المرحلة مرايا ملونة عكست ملاحظات وخواطر يومية، بعضها حلو وأكثرها صرخات ألم وحزن لواقع حال حزين ومؤلم فرض عليه منذ أن ولد في بيت فقير بمدينة الموصل، وبدأ صراعه مع الحياة وهو يطلب العلم في بغداد حتى استطاع أن يتغلب على الأحداث المريرة، وما أكثرها، وأن يحجز له المكانة اللائقة به في دنيا الأدب والصحافة. وعاود الكتابة للمرة الثانية عام 1941 وهو خلف الأسلاك الشائكة في معتقل العمارة متهماً بالنازية، وهو بريء منها. في أعقاب حركة رشيد الكيلاني في مارس من العام المذكور، وفي هذه الفترة، سكب في عشرات الدفاتر ومئات الأوراق عصارة أفكاره عن الأحداث والوقائع التي عايشها في الصحافة والسياسة وخلال المناورات والانقلابات العسكرية–السياسية منذ ولادة الحكم الأهلي في العراق. وعاد للمرة الثالثة في تدوين الذكريات في مطلع الخمسينات وهو يشغل منصب المستشار الصحفي في السفارة العراقية بالقاهرة، ليضيف إلى أوراقه بعضاً من خبايا السياسة في مصر والبلاد العربية، وآراء جريئة نهضوية اختزنها من خلال مناقشاته ولقاءاتها المكثفة مع رجال الفكر والسياسة في المحافل المصرية. وبعد ذلك التاريخ، انقطع عن التواصل مع ذكرياته وهو وزير ثم صحفي متفرغ في جريدته البلاد. وفقاً لهذا التسلسل تم تقسيم فصول هذا الكتاب الذي يحتوي كما أسلفنا على مذكرات رفائيل بطي الكاملة، كما احتوى الكتاب على مجموعة هامة من الصور الفوتوغرافية التي تطل على مختلف المراحل التي عاشها رفائيل سواء السياسية أو الشخصية أو العملية.