إن كتاب "بريجيت مارينو" يساهم مساهمة متميزة، في تجديد الدراسات الخاصة بسوريا، وبالعالم العربي بصورة أعم، في العصر العثماني، إذ هو يمثل المحاولة الأولى لكتابة تاريخ حي من أحياء إحدى المدن الكبرى في العصر العثماني. وباندراجه في حركة الأبحاث الجارية منذ ثلاثين عاماً تقريباً...

إن كتاب "بريجيت مارينو" يساهم مساهمة متميزة، في تجديد الدراسات الخاصة بسوريا، وبالعالم العربي بصورة أعم، في العصر العثماني، إذ هو يمثل المحاولة الأولى لكتابة تاريخ حي من أحياء إحدى المدن الكبرى في العصر العثماني. وباندراجه في حركة الأبحاث الجارية منذ ثلاثين عاماً تقريباً على المدن العربية، انطلاقاً من وثائق المحفوظات العثمانية، يطوّر هذا الكتاب تلك الأبحاث ويدفعها في اتجاه جديد. وكان اختيار "بريجيت مارينو" لحي الميدان موفقاً بوجه خاص. فهذا الحي الكبير في أحياء دمشق، شهد، كما يبدو، تطوراً كبيراً في العصر العثماني، ارتبط، كما هو محتمل، برحلة الحجج إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، والتي كان يجري تنظيمها في دمشق. كما كان هذا الحي، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، مسرحاً لنزاعات حادة. وجاء العمل الذي أنجزته "بريجيت مارينو" ثمرة بحث طويل وصعب في المحفوظات العائدة إلى العصر العثماني، وبخاصة في محفوظات محاكم دمشق، وهو بحث أغنى الجهد الذي كانت قد بذلته الباحثة في تفحص المصادر التاريخية المتوافرة... ومن مجمل الأبحاث التي قامت بها؛ توصلت مارينو إلى هذه الدراسة التي تقدمها لنا اليوم، والتي تعطينا لوحة غير مسبوقة لتاريخ حي الميدان منذ العصر المملوكي وحتى منتصف القرن التاسع عشر. وجاء تحليلها لبنية هذا الحي الاجتماعي، وللدور الذي لعبته العائلات الكبيرة والعسكريون، وللحياة الاقتصادية (القائمة على تجارة القمع إلى حد كبير). كما تقدم "بريجيت مارينو" وفرة من المعلومات عن طبية السكن في الحي استخرجتها من وثائق، درستها بعناية، ومن التحقيقات الميدانية التي قامت بها. وفي المحصلة، فإن ما تعرضه أمامنا بريجيت هو مجمل ظواهر حياة أحد الأحياء، ومكانته في حياة المدنية، وذلك بأسلوب رشيق يعاظم من فائدة دراستها القيمة.