قد يبدو الأمر محيراً حين نعرف أن الشعبية العظيمة التي حظي بها لوركا عند نشره "الأغاني الغجرية" قد اثقلت عليه. كان يكره التصنيف كرهاً شديداً، إلى حد أنه لم يود أن يطلق عليه إسم "شاعر الغجر". لم يرد أن يمسي ضحية نجاحه. قال "إن الغجر موضوع حسب، كان يمكنني أن أغدو مثلاً، شاعر إبر...
قد يبدو الأمر محيراً حين نعرف أن الشعبية العظيمة التي حظي بها لوركا عند نشره "الأغاني الغجرية" قد اثقلت عليه. كان يكره التصنيف كرهاً شديداً، إلى حد أنه لم يود أن يطلق عليه إسم "شاعر الغجر". لم يرد أن يمسي ضحية نجاحه. قال "إن الغجر موضوع حسب، كان يمكنني أن أغدو مثلاً، شاعر إبر الخياطة أو المناظر الكهرمائية". هكذا دخل في فترة قنوط. وقد كتب إلى صديق يقول:"الآن، أكتب شعراً يتطلب فتح الأوردة، شعراً متحرراً من الواقع". هكذا غدا الطريق إلى " شاعر في نيويورك" مفتوحاً -------- إن المنظور الواسع للعناصر العامة والقانون البيولوجي قد أفعم سحراً بإبهام الفولكلور والوحوش العجيبة. إن أسلوبه بأسره هو اختراع فني عجيب التأثير. لقد مكن هذا الأسلوب، بوبا، من أن يظل تجريدياً كما ينبغي، ومفهوماً مسلياً في الوقت ذاته، وكأنه يروي حكاية مرحة. بهذه الواسطة المفضلة، الحكاية الصغيرة للنادرة المتخيلة، نرى واضحاً انتقاله من السريالية الأدبية، إلى شيء أعرق وأعمق: سريالية الفولكلور.... لم ينل أي شاعر أسباني من الشهرة العالمية، ما ناله لوركا. إذ قدمت حتى في السنوات التي سبقت الحرب الثانية، ترجمات لأعماله في بريطانيا والأمريكيتين. وربما كان بعض شهرته خارج أسبانيا، عائداً إلى ظروف موته المأساوية العنيفة، في الحرب الأهلية الأسبانية. لكن الأعوام اللاحقة أثبتت أن القدر الأعظم من شعبيته مستند إلى أسس أشد رسوخاً من العاطفية المحض. والحق إن لوركا وضح في المنظور، شيئاً فشيئاً، مع مر الزمن، حتى ليمكن أن يقال الآن قول الواثق المطمئن إن شعره لهو من خير ما أبدعته أسبانيا. ولد فيدريكو غارثيا لوركا بـ " فونتفكيروس " في سهل غرناطة الخصيب، يوم الخامس من حزيران 1898. واغتالته في الأيام الأولى للحرب الأهلية، في تموز 1936، عصابة (فاشستية) مجهولة. ويبدو أن عملية الاغتيال قد تمت في " فزنار" على التلال الواقعة خارج غرناطة، لكن لم يعثر أبداً على جسده (كما تنبأ ).