"أحس بالأشواق تأخذ بثيابه "أركضن" لا زالت تدوي في أذنيه، هو يركض، حياته كلها سلسلة من الركض المتواصل، هو هارب، هاب من كل شيء حتى من نفسه، قبل ساعات حاول عبور الحدود بمعية أكثر من عشرين شخصاً، كانت الساعة تقارب الثانية بعد منتصف الليل عندما وقعت الحادثة، النوتي قال: سأعبر بكم...
"أحس بالأشواق تأخذ بثيابه "أركضن" لا زالت تدوي في أذنيه، هو يركض، حياته كلها سلسلة من الركض المتواصل، هو هارب، هاب من كل شيء حتى من نفسه، قبل ساعات حاول عبور الحدود بمعية أكثر من عشرين شخصاً، كانت الساعة تقارب الثانية بعد منتصف الليل عندما وقعت الحادثة، النوتي قال: سأعبر بكم شط العرب قبل الفجر بقليل، سآخذ النقود مقدماً، أنزلكم وراء مصافي النفط في عبادن...". تعد رواية "كانت السماء زرقاء" لإسماعيل فهد إسماعيل رواية مفصلة ونافذة الأثر في الوقت ذاته، إنهما رحلتان يخوضهما البطل نحو عمق الحياة، رحلتان مشوبتان بالمعاناة والتوسخ والعذاب، ولكنهما رحلتان ضروريتان، فالبطل هارب، لا ندري أيهرب من قدره أو من الطين الذي ساخت فيه قدماه منذ أن وطئتا أرض الحياة. وهو هارب إلى الفراغ المجهول، وهو ليس بطلاً رومانتيكياً يحمل أحلاماً، ويبشر بالخير والمحبة ويتمتع بهذا الخداع الذي يدلس به البعض على نفوسهم حين يزعمون أن العالم يحتويهم لأنهم ملائكة في هيئة نشر، وشموع منيرة تحرق نفسها لتضيء للآخرين، بل أن لهذا البطل انحداراته المسنة، أو على الأصح انحداراته الإنسانية، وربما كان الصراع الذي يدور في باطنه هو صراع بين نفسه ونفسه... في هذه الرواية يتبدى اقتدار الكاتب الذي يوشك أن يكون عفوياً على استغلال منطق التداعي، وعلى جدل حبلي الماضي، والحاضر في حبل واحد، وأخيراً فإن هذه الرواية من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي حتى الآن، ذلك لأنها لم تكتب لتمتع الناس بل لتهزهم وتزعجهم.