-
/ عربي / USD
لا تستطيع أن تمسك به.
فهو صراخ يقول كل شيء ولا يقول شيئاً..
يخاطب الجميع، ولا يخاطب أحداً إنه الوجه والقفا.. ثائر ومتلائم.. ملتزم وغير ملتزم.. بريء وفتاك.. نسكون بشحنة الاحتجاج.. متناقض ومنطقي.. شعري وعقلاني.. معتم وصاف، كأنه الرمل وقطر المطر. إنه صرخة خلاص نم الأقنعة وسفر إلى الأطراف القصوى. هكذاً تتقاطع في صوته أصداء كثيرة: من هراقيطس حتى العبثية المعاصرة مروراً بنيتشه وماركس. لكنه يبقى عربياً، أصيل التبرة والبعد، نقاط الحصور، حتى ليصعب أن يوصف العربي الذي لا يقرؤه بأنه مثقف أو بأنه يحيا على هذه الأرض العربية الرائعة المضطربة في هذه الحقبة الرائعة المضطربة. عبد الله القصيمي، في الفكر العرب، حدث ومجيء.. حدث لأن صوت هذا لبدوي الآتي من تحت سماء المدينة ومكة، صوت هائل.. ومحيء لأن في هذا الصوت غضب الرؤيا والنبوة.
فرق كبير بين أن يتلوث الإنسان وبين أن يكفر إذ يقف عبد الله القصيمي موقفاً واضحاً من هذه المسألة التي قد تثقل على الكثيرين وتشق عليهم. وهو إذ يخشى أن يبالغ العربي في إيمانه لا يخشى أن يكفر، فإن كان التلوث مستوى أعضاء فإن الإلحاد مستوى عقل وأخلاق وهو مستوى من الصعب أن يستدرج إليه العقل العربي.. خواطر حول الوجود والإنسان والعقل والإيمان أودعهما المؤلف صفحات هذا الكتاب الذي يعكس معاناة عقل متحرر وثاب يتطلع إلى فهم أفضل لحقائق الوجود ويدعو لمواجهة الذات والآخر بعقل متفتح. عقل يرى أن نقد الذات هو أعلى مراحل الوجود، يؤمن بأن الإنسان يستطيع أن يصير أفضل مما يفكر ويريد. وهو يأخذ على من يلتمس الفضيلة النفسية والأخلاقية بواسطة الجمود العقلي ظلاله وإسرافه في تغطية نفسه وجرائرها.
إن موضوعات أخلاقنا بنظره هي دائماً مواقعنا، لا حوافزنا ولا أهدافنا لأن هذه لا يصح نقدها ولا توجيهها. إن معنى أن يكون المرء منطقياً يعني أنه يحترم ما يريد، لكن الإنسان لا يولد منطقياً بل يتعلم المنطق بالضرورة والالتزام كما يتعلم اللغة والصلاة.. ولكن كيف لإنسان أن يحيا كل الحياة دون أن يموت بعض الموت، إن البشر محتاجون دائماُ إلى إطفاء حرائقهم الكبرى التي تأتي على ذواتهم ولا يتم لهم ذلك إلا عبر عمليات إطفاء منظمة تقدمها التعاليم في كل مستوياتها.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد