يمكن للباحث تلمس بروز تلك العلاقة الفلسفية بين الدين والأخلاق في وقت تاريخي متقدم، وذلك في بدايات القرن الثالث الهجري، على يد فرقة إسلامية شهدت نشاطها في تلك الفترة هي فرقة المعتزلة، إلا أنه لم يكن لهذه الجدلية في التراث البشري وجود قبل ذلك، فأما أن تكون الأخلاق من العقل...
يمكن للباحث تلمس بروز تلك العلاقة الفلسفية بين الدين والأخلاق في وقت تاريخي متقدم، وذلك في بدايات القرن الثالث الهجري، على يد فرقة إسلامية شهدت نشاطها في تلك الفترة هي فرقة المعتزلة، إلا أنه لم يكن لهذه الجدلية في التراث البشري وجود قبل ذلك، فأما أن تكون الأخلاق من العقل كما في التراث اليوناني، أو من الدين كما في الأديان الوجدانية، وهناك أديان متمحضة في الأخلاق، أي ليست شيئاً سوى الأخلاق كالكونفوشية، وأخرى لا علاقة لها بالأخلاق كما هي الحال في الوثنية في الجاهلية، أو مزيج من هذا وذاك كالبوذية، إلا أن هذه المسألة لم تطرح بصياغتها الفلسفية إلا في عصر المعتزلة من خلال قضية مرتكب الكبيرة والمنزلة بين المنزلتين التي مثلت أصلاً وأساساً للفكر الإعتزالي في مقابل الفكر الأشعري وأهل الحديث، فكل شيء في هاتين المدرستين يدور حول هذا المحور وهو: هل الأخلاق تستوحى من خارج الدين، وهو العقل، كما هو رأي المعتزلة - أو وجوب تقتبس الأخلاق من داخل الدين، وأن العقل لا يدرك وحدة القيم الأخلاقية، وهذا ما كان يطلق عليه مسألة: الحسن والقبح، فبالنسبة للمعتزلة، فهم أن الأصل في الأخلاق هو العقل لا الشرع، فالعقل من شأنه إدراك الحسن والقبح في العمل الأخلاقي، ثم يأتي الشرع ويشرع أحكامه على أساس ما أدركه العقل؛ وهذا يعني أن الشرع تابع في هذه المسألة للعقل، فالأصالة للأخلاق أولاً.