لا شك أن الكتابة النسائية تشكل - في الوقت الراهن - جانباً مهماً من المشهد الثقافي والأدبي في المجتمع السعودي، حيث تعددت روافدها الإنتاجية، من النصّ والرواية والمقال والمسرحية والسيرة، واختلفت فيهما الرؤى، حسب إختلاف إنتماءات الكاتبة الفكرية، والثقافية، والنفسية...
لا شك أن الكتابة النسائية تشكل - في الوقت الراهن - جانباً مهماً من المشهد الثقافي والأدبي في المجتمع السعودي، حيث تعددت روافدها الإنتاجية، من النصّ والرواية والمقال والمسرحية والسيرة، واختلفت فيهما الرؤى، حسب إختلاف إنتماءات الكاتبة الفكرية، والثقافية، والنفسية والبيئية.
هذا وبعدّ مصطلح الكتابة النسائية مصطلحاً إشكالياً بإمتياز، إذ رفضت مجموعة كبيرة من الكاتبات إدراج إبداعهن تحت هذا التصنيف، بإعتباره مؤدياً إلى التقسيم الطبقي والفئوي، وتكريسه للتمييز الذي ما فتئت المرأة تناضل من أجل إلغائه.
كما أنه يتضمن الهامشية مقابل مركزية مفترضة، إلا أن تداوله عبر مختلف القنوات والملتقيات، جعله واقعاً مفروضاً، يعلن بصخب علاقة المرأة بالكتابة، بإعتبارها مظهراً من مظاهر الهوية المفتقدة، التي تتخذ أبعاداً متعددة، بتعدد وأدوار المرأة في الحياة، ويخرجها من إعتبارها مجرد موضوع منظور إليه إلى مشارك وفاعل، كان يسعى - ولا يزال - نحو صياغة متجددة لمختلف الأسئلة الإبداعية والحضارية.
هذا وقد احتل جنس القصة القصيرة موقعاً متميزاً، داخل الكتابة النسائية، وبرزت معالمه، فيما صدر من مجاميع قصصية متنوعة، أفصحت فيها المرأة عن رحابة فكرها، وسعة تخيلها، ومضارعة الرجل في مختلف حقول الثقافة، ولطالما كرست المرأة سؤالاً ملماً في كتاباتها؛ تنوع بين التنديد بأشكال الإقصاء الإجتماعي الذي تعيشه المرأة، ورفض الثقافة الذكورية التي مارست عليها تراثاً من الظلم والإضطهاد.
وعلى صعيد متصل، فإنه ينبغي ذكر أن البدايات التي سجلتها كتابات المرأة في الأدب السعودي، لم تلق عناية كبرى من النقّاد والكتّاب، وكذلك القرّاء، وعليه فإن مرحلة البدايات لم تكن بالإزدهار الفنيّ المطلوب؛ إلا أن الأمر اختلف في المرحلة التي تليها، فلقيت القصة إقبالاً لافتاً للنظر، أكثر من شقيقتها الكبرى - الرواية؛ بل أن تصنيف الكتابات اليوم في المملكة العربية السعودية، قد يبدو وأكثر من تصيبهن في بعض البلاد العربية، مما يستوجب في المقابل، أن تكون ثمة مواكبة نقدية، تضع هذه الأعمال، في مكانتها الصحيحة واللائقة.
من هنا، تأتي هذه الدراسة المتخصصة، في النظر في كتابة المرأة السعودية، على صعيد العمل الإبداعي الخاص بالقصة القصيرة، تتلمس الباحثة من خلالها أمارات هذا الفن، من منظور رؤية أنثوية خالصة، وفي إطار من فكر وثقافة جديدة، تعيشها المرأة، وتحيا قضايا حياتها على ضوئها، في محاولة جادّة لقنص اللحظة الإبداعية التي تنم عن طبيعة هذا التغيير، والكشف عن هوية جديدة لشخصية المرأة المعاصرة، التي أضحت تمارس حياة إجتماعية جديدة، بثقافة وفكر جديدين.
وفي هذا الإطار ينهض البحث بمسارين مهمين: يقوم المسار الأول بعملية رصد لطبيعة القضايا التي تضمّنتها كتابة المرأة السعودية، سواء الذاتية منها أو الإنسانية أو الإجتماعية، وذلك في إطار مواكبة هذه القضايا للمتغيرات كافة في المملكة العربية السعودية، ومن ثم تحديد رؤية الشخصية النسائية الجديدة، التي تشكل النصف الآخر لطبيعة الكيان الإنساني في المجتمع السعودي عموماً.
ويقوم المسار الثاني بدراسة الوعي الجمالي عند القاصّة السعودية، في إحرازها تشكيلات من الإبداع والفن، على المستوى الشكلي والجمالي في بنية القصة القصيرة، وبخاصة في مرحلة ريادتها من السبعينات حتى الآن، في إخلاصها الشديد لعنصر الحكاية والتكتيك السردي، وفي إنفتاحها المفصلي المتواصل؛ في إحراز التجديد الفني، والمنفتح على روح القص الذي ينأى بنفسه عن الإبتذال اللغوي، والحشو الحكائي اللذين لا طائل من ورائهما.