شارك هذا الكتاب
الساحلي
الكاتب: سعود الصاعدي
(0.00)
الوصف
"لا يدري كيف جاء إلى هنا؟ ولاما الذي جاء به إلى حيث هذه البقعة من هذا الحي المغلق؟ يؤمن بالأقدار إيماناً لا تشوبه شائبة من أسئلة كثيراً ما نعترض طريق البائسين، ولأنه ليس من هذا الصنف الذي يعترض أقداره، فقد كانت أسئلته التي تخص مجيئه إلى الحي تأخذ طابع التفكر في تقلبات...

"لا يدري كيف جاء إلى هنا؟ ولاما الذي جاء به إلى حيث هذه البقعة من هذا الحي المغلق؟ يؤمن بالأقدار إيماناً لا تشوبه شائبة من أسئلة كثيراً ما نعترض طريق البائسين، ولأنه ليس من هذا الصنف الذي يعترض أقداره، فقد كانت أسئلته التي تخص مجيئه إلى الحي تأخذ طابع التفكر في تقلبات الحياة وإستبطان أسرارها.

شيخوخته وإيمانه كانا يعززان فيه قيمة التأمل في الأحداث أكثر من التأمل في تضاريس المكان من حوله، مع ذلك بدأ سؤاله هذه الليلة متعلقاً بالمكان، فما إن أطفأ سراج البيت، بيته الذي إبتاع أرضه في زاوية من الحي قريباً من منكب الجبل الضخم، حتى دعاه هذا السكون المهيب إلى أن ينظر إلى حرف الجبل الذي يشبه سوراً عظيماً قد أغلق الحيّ من أعلاه، وكأنما شعر أن بين مصيره وهذا المكان علاقة ما.

يدرك أن خطوات العمر الأخيرة، حتى لو تأخّر الأجل مسافة أطول مما يتوقع، فالمسافة التي قطعها منذ ولادته إلى هذه اللحظة تشي بأن الباقي من عمره مهما طال لا يستحق أن يلقي له بالاً، وهذا ما دعاه إلى أن يختار هذا الشعب المغلق من أعلاه مكاناً لآخر محطة في حياته.

كان الحيّ، بالفعل، مكاناً متواطئاً مع طبيعته في هذه السنّ المتأخرة، جعله يأنس بوحدته في صندقته المنزوية تحت منكب الجبل، يساعده في ذلك أنه ليس واحداً من أفراد القبيلة التي تسكن الحيّ، وهذا ما جعل حياته ذات نمط واحد، حيث اعتاد أهل الحي أن يروه في صورة عابر صامت، يجيء من مكان غامض ويستقر في مكان غامض، أما المسافة التي كان يعبرها بين المكانين فكانت مسافة زمن أكثر مما هي مسافة مكان.

كان يخرج من بيته صباحاً ويعود مساءً، دون أن يعلم أحدٌ ما الذي وراء هذا الحدث اليومي الرتيب، ودون أن يسأله أحد عن ذلك أيضاً، حين أطفأ السراج، وقد تهيأ لنومه المبكر كعادته كل مساء، أغمض عينيه ثم فتحهما على قريته الكائنة بمقربة من الساحل، في مدينة ينبع، فتذكر طفولته، وجزءاً من أيام شبابه، قبل ان يودّع قريته إلى مكة، فرأى صوراً حافلةً بالحركة والنشاط، والفناء الساحلي، حيث الترنم بكسرات الينبعاويّة.

تذكر تلك الأيام وما فيها من صخب، وما كان يجري من خصومات بين الصبية، ولم تغب عنه تلك النقاشات الساخنة الممتدة حول أصول القبائل، وما يتم من تراشق بين أبناء قبيلته وأبناء الساحل، كما كانوا يسمّونهم، يذكر أنه، في تلك الفترة، كان أحد زعماء القبيلة من الصبية كما يذكر الفتى الأسمر مشعان، صاحب التعليقات اللاذعة، الذي كان ينتصر لقبيلتهم حين يحتدم النقاش وتكون السخرية هي السلاح الأخير قبل إعلان العراك بالعصيّ والحجارة، ولا تزال بعض تعليقاته تثير سخريته وضحكه رغم كل هذه المسافة الزمنية التي قطعها، دعاه ذلك إلى أن يهمس بينه وبين نفسه: "رحمك الله يا مشعان... ليتك تعلم أني صرت في هذا المكان طرش بحر مثل صدقي وأبناء عمه"...

أخذ يتداعى مع أفكاره وخواطره وشعر أنه، برغم وحدته في هذا الحيّ المغلق، كأنما هو رسول البحر إلى هؤلاء الناس، وأنه محمل بأسرار تسكن في داخله كما تسكن نفائس البحر في الأعماق، لكن لم يحن الوقت لتبليغها بعد، أو أنه اختار أن يبلغها بطريقته الخاصة في حركة ذهابه وإيابه صباح مساء، على شاكلة مدّ وجزر، وحسبه من هذا ما كان يحفظه في سن طفولته عن أبيه يوم سأله عن سرّ مدّ البحر وجزره، فقال له: "هكذا يتحدث البحر"... ربما كان غموض غنيم في هذا الحيّ المغلق إمتداداً لغموض البحر بين صوته الهادئ وثورته المتوقعة، ولهذا السبب بدا، في نظر أهل الحيّ، وديعاً من جهة، لكنه مخيف وينطوي على أسرار غريبة من جهة ثانية".

غموض محبب يحاول الروائي لفّ سردياته فيه... حكايات وأساطير رويت عن الساحلي... وكان ضحية هذا الحي الذي كان يشار إليه بأصابع الإتهام لدى نشوب أي معركة أو فتنة بين أفراد هذا الحي... إلى أن شاع في الحي أن الجبل الجنوبي سيصبح مخططاً سكيناً يعلو إلى الأهالي من الجهة الجنوبية المنبسطة واحتدم الصراع بسبب ذلك... وكان إنقسام داخلي... ومعركة... إلا أنها المعركة التي لم يكن بوسع الأساطير أن تدخلها، فالإنقسام الداخلي الذي سببه هذه المرة الديمي، أحد أبناء القبيلة من خارج الحي، وهذا ما يجعل أية محاولة لإقحام الساحلي فيها، كما كان يحدث من قبل، ضرباً من ضروب الوهم الساذج، فقد تجاوز أهل الحي هذا التفكير بعد أن تغيرت نظرتهم إلى الحياة ووصل أبناؤهم إلى مرحلة ناضجة من الدراسة جعلتهم يدركون أن كل الأساطير التي تختزنها ذاكرتهم هي من الوهم وقلة العلم، خصوصاً تلك التي تتعلق بالساحلي وبيته المهجور، ليصل الروائي إلى فكرة شكلت المحور الأساسي في قصة هذا الحي، بان هذا الوعي الذي وصل إليه أبناء هذا الحي كان بسبب حركة علمية لا بأس بها لفتت أهالي الحي إلى ضرورة التعلم والتعامل مع الأشياء بمنطق العقل لا بمنطق العاطفة والإنتماء الأعمى إلى القبيلة.
 

التفاصيل

 

الترقيم الدولي: 9786144046999
سنة النشر: 2015
اللغة: عربي
عدد الصفحات: 191
عدد الأجزاء: 1

 

فئات ذات صلة

التقييم والمراجعات
0.00/5
معدل التقييم
0 مراجعة/ات & 0 تقييم/ات
5
0
4
0
3
0
2
0
1
0

قيّم هذا الكتاب




هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟

مراجعات الزبائن

لا توجد أي مراجعات بعد

متوفر

يشحن في غضون 2-5 أيام عمل

المصدر:

Lebanon

الكمية:
تعرف على العروض الجديدة واحصل على المزيد من
الصفقات من خلال الانضمام إلى النشرة الإخبارية لدينا!
ابقوا متابعين