"... على السرير الأبيض تستلقي وعقلها يدور في حلقات مفرغة تنتظر إعلان جنس المولود بفارغ الصبر، فهي بين قلق اللحظة وألمها وبين أمل المفاجأة، ترقبٌ قائل وأمنية ملحة تسأل الله تعالى أن تُرزق مولوداً ذكراً يرضي عقلية زوجها الذكوري: تتسابق أنفاسها يعلو صدرها تارة ويهبط أخرى،...
"... على السرير الأبيض تستلقي وعقلها يدور في حلقات مفرغة تنتظر إعلان جنس المولود بفارغ الصبر، فهي بين قلق اللحظة وألمها وبين أمل المفاجأة، ترقبٌ قائل وأمنية ملحة تسأل الله تعالى أن تُرزق مولوداً ذكراً يرضي عقلية زوجها الذكوري: تتسابق أنفاسها يعلو صدرها تارة ويهبط أخرى، عيناها متسمرتان في وجه الطبيبة تقرأ تعابير وجهها ونتاب تحركات الجهاز على بطنها المنتفخ، تنظر تارة إلى الشاشة على تلمح بصيص أملٍ أن يكون القادم ذكراً، حرارة قلبها المشفق إلى مولود ذكر... تسللت إلى عقلها وشلّت عبارات لسانها، فهي تنتظر من الطبيبة أن تنبس شفتاها بكلمة تسعد قلبها وتشعرها بالأمان المفقود، يتردد صدى كلمات زوجها داخلها تزق حنايا قلبها الضعيف، كلمات تهديد طالما سمعتها منه وهو يسخر من أنوثتها، لعدم قدرتها على إنجاب صبيٍّ.
تمالكت نفسها واستجمعت قواها قائلة بصوت مرتجف يفصح عن قلق: بشرّيني... انفجرت أسارير الطبيبة بإبتسامة رضا: (بنوتةٌ مثل القمر...) وقعت الكلمة على مسامع أمل كقنبلة داعشية مزّقت طمأنينها بلا هوادة، اكتفت بدموعها للتعبير عما بداخلها، شحب لونها وتلاحقت أنفاسها، تثاقلت ساقاها وهي تنزل من السرير لا تكاد قدماها تحملانها، قلبها الآن محطّم ومكسور، شعرت بدوار يشلّ حركتها، فالأرض تدور بها مما جعلها تستشعر كرويتها تحت قدميها الآن، تردد بينها وبين نفسها: الحمد لله.... الحمد لله قالت لها الطبيبة: احمدي ربك؛ غيرك يدفع مئات الآلاف ولم يحصل على طفلة، قالت مقطبة الجبين بشعور المكسور: البنت الرابعة يا دكتورة!!! خرجت دون أن تلتفت إلى الطبيبة وكأنها تحمّلها نتيجة الكشف، مشت بتؤدة متجهة صوب سيارة زوجها الواقفة أمام المركز الصحي تجر خطواتها حزناً وهمّاً أعمق من المحيطات، فهي تعلم قسوة زوجها وجبروته التي أحرق كل أمانيها بالإحتواء والأمان الذي تبحث عنه كل زوجة تاهت خطاها بين الألم والوحشة تحرق أنفاسها كلمته التي طالما ردّدها على مسامعها، وعلى مرأى ومسمع من أمه وإخواته (أم البنات) كلمته تلك يتردّد صداها الآن بقوة داخلها، يثقل خطواتها هاجس الإفصاح عن نوع المولود، صعدها إلى مقعدها بالسيارة متثاقلة من وهن الحمل وصدمة الخبر الذي تحمله بصدرها وتخشى ردّة فعل زوجها: كيف سيستقبل هذه الصدمة وهو من هجرها أشهراً بحملها في طفلتها الثالثة، وتحامل عليها بسود المعاملة.
مرّت بذاكرتها حكايات ليالٍ مريرةٍ قاستها معه منذ أن علم بحملها بالطفلة الثالثة، تنهّدت بألم، قطع صمتها من التوغل في غابات الخوف من مجهول ينتظرها صوت زوجها الغاضب: "أكيد بنت؟... الجواب واضح من خطواتك الكئيبة عرفت أنها بنت... أنت لا تنجبين إلا البنات... الآن لي العذر أن أتزوج؛ من حقي أن يكون لي ولد... تكتم عبرةً تقاومها... تخنقها دموع تتساقط كالجمر، بلّلت قناعها الأسود الذي يرتفع ويهبط مع أنفاسها المختنقة، فكلمات زوجها كأجراس المدافع تنهمر على مسامعها وتزيد ألمها فتنفجر باكية ويزداد نحيبها مختلطاً بصوت زوجها الهادر من الغضب، صرخت بضعف وإنكسار: ما ذنبي... أنا؟!... ليس لي ذنب... هذا من الله تعالى... أنت المسؤول عن جنس الجنين... يزداد نحيبها ويصرخ زوجها بصوت الغاضب: غداً تعلمين إن كنت أنا السبب بإنجاب البنات أم أنت!!!... سأتزوج وأنجب ولداً، آخر محاولة حمل لك هذه؛ لا أرغب في مزيد من البنات فهمت؟؟... سأتزوج سأتزوج"...
تسلّط الكاتبة الضوء على ما يفكر صفو الحياة الزوجية من هموم وكدر، مبلورة ما يجول في تلك الحياة من مشكلات بأسلوب قصصي... متماشية أسلوب النصح والتوجيه... لتستحيل حروفها أنغاماً منبعثة من الوجدان... هكذا تطوف الكاتبة على أجنحة الخيال متنقلة بين البيوت متشفة ما يستجد من عثرات ومواقف تبعث على الحزن، فتبرز ملامحها، وكأنها بذلك تعبثّ رسائل ضمنية... تبعث في النفس الملتاعة إشراقة أمل بأن هذه المواقف الزوجية المتكررة تحدث في كل بيت... ولكن على الزوجين النظر بعين الرضا والأمل... فليس بعد الصبر إلا الفرج... وما بعد إكفهرار السماء إلا الغيث وإشراقة شمس من بين السحاب.