دب على الأرض في هذا الزمان، في قرية منسية طفل. قال: اسمي سين، جسمي صغير، ورأسي كبير... كنا ندعوه بالحكيم، ذي الرأس الكبير، الرائي، ورجل آخر ناداه بالشيطان... نعم أنا سين كنت أقول للأطفال إن الخطر يأتينا من فوق، قالوا لآبائهم ذلك فلم يصدقوني وغضبوا.. الصغار يحسون بخوفي فيخافون.....
دب على الأرض في هذا الزمان، في قرية منسية طفل. قال: اسمي سين، جسمي صغير، ورأسي كبير... كنا ندعوه بالحكيم، ذي الرأس الكبير، الرائي، ورجل آخر ناداه بالشيطان... نعم أنا سين كنت أقول للأطفال إن الخطر يأتينا من فوق، قالوا لآبائهم ذلك فلم يصدقوني وغضبوا.. الصغار يحسون بخوفي فيخافون.. كنت أخاف من السحب... ننظر إلى سين وجسده يرتعد عندما تسود السماء بالغيوم وترعد، ويبدأ لمعان البروق.. يهرب سين إلى الرابية المرتفعة وهناك يبدأ بالعويل وتحذير الناس... نعم، لا أحب السيول، لا أحب الجراد.. فهي تأتي وتفسد كل شيء، دون أية مسؤولية... كنا، نحن (أطفال القرية) نلعب في ملعبنا، تختفي الشمس.. تقترب الغيوم.. ينتفض سين، ويهم بالهرب إلى الرابية.. يقبض عليه رجل من رقبته الدقيقة.. نضحك ورأسه الضخم يتأرجح في يد الرجل كبطيخة.. ننتظر أن يتدحرج ويسقط بين قدمي الرجل.. الرجل يقول: أنت تقول -يا شيطان- (يكشر الرجل، وينتفض سين كدجاجة) إن الخطر يأتينا من فوق. يرفع الرجل إصبعه إلى السماء فنرفع كلنا أبصارنا.. يهز سين رأسه المتدحرج ويقول: نعم.. من فوق.. يرفع الرجل يده هاماً بلطمه على فمه.. لكن سيناً يشير إلى الجبال العالية التي تخفي الشمس بعد صلاة العصر، ويقول: ألا تأتي الغيوم من فوق هذه الجبال؟! ألا تدمر سيولها مزارعكم وتهدف بيوتكم؟!!.. ألا يأتي الجراد طائراً في السماء ويحط على أشجاركم ويأكلها؟! تتسع عينا الرجل، وتتراخى يداه، فيتملص منه سين ويفر إلى رابيته.. الرجل يبصق في الأرض، ويطوي يديه الخاويتين ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. إنه شيطان.. شيطان.. تلك الليلة استمر عويل سين على الرابية وقتاً طويلاً.. هدأ بعد تبدد السيول في الشعاب البعيدة.. لكنه في ليلة أخرى كان هو الوحيد الذي يعوي مفجوعاً.. أما الآخرون فكانوا سعداء: كنا نلعب في الشمس التي أخذت تدلهم بالقاني لتمتص فرح القوية وتخفيه.. أظلمت الدنيا فجأة.. نظر سين إلى السماء وراتجف، ثم زعق: الجراد.. الجراد.. جاء الجراد..