شارك هذا الكتاب
قصيدة النثر العربية
الكاتب: إيمان الناصر
(0.00)
الوصف
قد تكون فكرة الانكشاف والتجلي هي أوضح صورة لما لا يكاد يتضح أو ينجلي، ولما يعتريه من الغموض واللبس، لأن مصطلح قصيدة النثر مرتبط –تاريخياً- بتحولات الذوق الفرنسي، وثورة المتلقى على الأنماط التقليدية. غير أنه لم يتبلور –مفهومياً- في الثقافات الأخرى إلا في إطار التحولات...
قد تكون فكرة الانكشاف والتجلي هي أوضح صورة لما لا يكاد يتضح أو ينجلي، ولما يعتريه من الغموض واللبس، لأن مصطلح قصيدة النثر مرتبط –تاريخياً- بتحولات الذوق الفرنسي، وثورة المتلقى على الأنماط التقليدية. غير أنه لم يتبلور –مفهومياً- في الثقافات الأخرى إلا في إطار التحولات الحضارية الكبرى. وإذا كانت معظم المصادر تنسب بدايات التحول نحو قصيدة النثر إلى بودلير فإن الحقيقة الوحيدة تظل كما وصفها ريفاتير "إنها نوع ليس له شكل ثابت عرفياً" أو كما ورد لدى سوزان برنار "إن قصيدة النثر لا تعرف، إنها موجودة". لكن ما كان لهذا الوجود أن يتم إلا عبر سلسلة من المفارقات قد يكون أبرزها انبثاق قصيدة النثر من نقيضها (النثر)، وتحويل هذا النقيض إلى جوهر تتأسس به، وملهم تفيض به، وهي المفارقة التي ظلت على مستوى التسمية، بينما تلاشت حدتها عندما تحول الشعر إلى ينبوع ليس له شكل نهائي، وانطمست معالم العروض. وما انفكت قصيدة النثر تبرر تناقضاتها على أنها نابعة من طبيعة انبثاقها الذي لا يقبل شكلاً ثابتاً ولا ماهية محددة، وظلت تتكرر –في عرف أصحابها- خصائص مثل التعدد في الشكل، والمرونة، والكثافة، والغموض، والمجانية، والوحدة، والإيجاز، وغيرها من عناصر التوهج، والرؤيا، والحلم. وبات من الطبيعي أنها كسرت ازدواجية (شعر/نثر)، مركزة على مبدأ الحرية والتجريب، وهو المبدأ الذي مهد لثقافة الاختلاف وتمايز الأشكال الأدبية ليتسرب هذا النوع الأدبي إلى ثقافتنا. فهل تهيأ لقصيدة النثر العربية الجو الملائم لامتصاص كل المفارقات والاخترقات التي صاحبت بزوغها في الثقافة الغربية؟ إنه السؤال الذي يقبع خلفه فتيل الصراع بين الرفض والتأييد، فإذا كان ظهور قصيدة النثر بوصفها تمرداً على القواعد، بما فيها قواعد العروض، قد أوقعها –كما يدعي البعض- في أوهام الشكل الأسمى والإيقاع الداخلي، فإن الواقع الشعري يكذب هذه الأوهام ببروز تجارب شعرية خالصة ومبتكرة. فما هي الإضافات التي حققتها قصيدة النثر العربية؟ وهل استعارت السياق الذي ظهرت فيه قصيدة النثر الغربية، أم سعت إلى تطوير أدواتها الشعرية الخاصة؟ وهل انطلقت من القيطيعة الذوقية ورهانات التلقي، أم اكتفت باختراق البنيات النصية؟ وإلى اي مدى انسجمت الرؤية التجريبية وتكريس مبدأ الحرية؟ عبر هذه التساؤلات يطلع الفصل الثاني إلى تحولات الشكل ضمن ممارسة تطبيقية أملتها الضرورة التأملية رغبة في استنباط ملامح التجربة الإبداعية لقصيدة النثر العربية، واستنطاق كيفيات تبلور خصائصها لدى مجموعة من الشعراء مثل: أدونيس، محمد الماغوط، أنسي الحاج، قاسم حداد، نذير العظمة، عبده وازن، عائشة أرناؤوط، جبرا إبراهيم جبرا، وغيرهم كثير ممن اتخذوا من اللغة ميداناً خصباً للتجريب في محاولة للجمع بين العادي واليومي مع استبقاء الرغبة في احتواء الممكن واللامتوقع، وهذا ما نلمسه في التحول من المجاز البلاغي إلى المجاز البنائي عبر أسلوبية السرد، واستضافة النتثري في الشعري، بينما تحولت اللغة عبر حركية الصورة وأسلوبية التخيل إلى مصنع كيمياء يتفاعل فيه الواقعي والرمزي، والحسي والوجداني... وقد استعان الشعراء في ذلك بتوظيف الرموز التراثية والأسطورية، وتخطوها إلى ابتكار رموزها الخاصة، إما بتحويل الواقع إلى رمز، أو باستغلال التعالقالنصي في ابتكار بنيات نصية مغايرة، ففيم كان اصنرافهم الشديد عن الرموز الأسطورية والتراثية؟ ربما يرجع ذلك إلى الرغبة في تفعيل الرموز النصية التي يبتكرها الشعراء أنفسهم من خلال لعبة التشكيل الجمالي والعودة إلى طفولة التكوين، حيث الشاعر طفل خالق واللغة مدار الخلق. ولعل مسألة الخلق الشعري لم تكن غائبة في التجارب السابقة عن قصيدة النثر، لكنها أضحت أعمق حضوراً وتوهجاً، وأكثر تحرراً وانعتاقاً. إن الفصل بين الشكل والمحتوى أمر غير وارد إلا في الجانب التقني للبحث، أي بحسب ما يقتضيه سياق المنهج، لأن الدلالة اكتمال بالشكل، والشكل نمو في الدلالة، وهذا ما حاولنا إثباته عبر تحليلاتنا للنصوص الشعرية. أما الفصل الثالث من هذا البحث فقد كان مدار جدل التحول الدلالي، لذا سعينا إلى مقاربة ذلك في بعدين أساسين هما: تكثيف الرؤيوي الكشفي، واستعادة الممكن الصوفي، في إطلالة على أعماق الكون الشعري وهو يحيل العالم إلى وجدانه الأعلى والأنقى بحثاً عن الخلاص، أو رغبة في الخروج من دوامة المصير عبر تفوق الرؤيا بوصفها الحاسة المفتاحية للسمو، وعبر نورانية الإشراق الصوفي. فكيف يحول الشعراء هذه الحواس المفتاحية إلى رموز تفيض بالشاعرية وترقى بالفكر لإضفاء معنى كوني جديد؟ وقد يكون هذا التساؤل مرهوناً بكيفيات التوغل في الأبعاد الوجدانية عبر مسالك الصوفية بوصفها فعلاً تحررياً وثورياً وتمردياً، والأبعاد الرؤيوية عن طريق فكرة الخلاص بقصد استخلاص الجوهر الإنساني المفقود. يعالج الفصل الرابع من هذا البحث تحولات الإيقاع وأهميته الجمالية، وتحدياته التي هدمت الركن الأعظم في موسيقى الشعر العربي. لقد تبنت قصيدة النثر الإيقاع الداخلي متحصنة برهان اللغة، إذ بوسع الشاعر أن ينسج منها روائع جمة من دون أي عائق. ولتعويض الوزن اعتمد الشعراء على بعض الإيقاعات الشكلية مثل التوازي والتماثل، والتقابل، والتكرار، وأخرى دلالية مثل التناغم الداخلي، أو شريان النغم الباطني، والتنافر الجمالي الذي تحدثه خلخلة اللغة، كما أن الإحساس بانسياب الإيقاعات وتموجاتها يغري بحسر نغمي لا يتصل بأصوات الكلمات وإنما يتعمق بالحدس –وهو ما يعتبره بعض النقاد نوعاً من الانطباع الذاتي، وكان جوهر الاختلاف حول ما يسمونه وهم الإيقاع الداخلي –بيد أن قصيدة النثر- في اعتقادنا- قد انتقلت بالإيقاع عن التناغم الكوني إلى التناقض الوجودي، كما أنها لعبت دوراً بارزاً في تحريك المدركات التأملية للقارئ، وربما أكدت تجارب بعض شعراء قصيدة النثر من أمثال: توفيق صايغ، فوزية السندي، شاكر لعيبي، إبراهيم شكر الله، عبد المنعم رمضان، عباس بيضون، صحة ما ذهبنا إليه من تخمينات.
التفاصيل

 

الترقيم الدولي: 9990158800
سنة النشر: 2007
اللغة: عربي
عدد الصفحات: 284
عدد الأجزاء: 1

 

فئات ذات صلة

التقييم والمراجعات
0.00/5
معدل التقييم
0 مراجعة/ات & 0 تقييم/ات
5
0
4
0
3
0
2
0
1
0

قيّم هذا الكتاب




هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟

مراجعات الزبائن

لا توجد أي مراجعات بعد

متوفر

يشحن في غضون 2-5 أيام عمل

المصدر:

Lebanon

الكمية:
تعرف على العروض الجديدة واحصل على المزيد من
الصفقات من خلال الانضمام إلى النشرة الإخبارية لدينا!
ابقوا متابعين