إن جوهر الأزمات الإقتصادية الذي يعيشها العالم اليوم يكمن في نظام الإنتاج والتبادل الذي يهيمن عليه، وكذلك في النظرية الإقتصادية التي يستند إليها هذا النظام ومعها الفاعلون الأقوياء الذين ينجزون هيكلته، ولكن ما هو البديل لهذا الواقع الإقتصادي، أليس ثمة بديل لأنموذج إقتصاد...
إن جوهر الأزمات الإقتصادية الذي يعيشها العالم اليوم يكمن في نظام الإنتاج والتبادل الذي يهيمن عليه، وكذلك في النظرية الإقتصادية التي يستند إليها هذا النظام ومعها الفاعلون الأقوياء الذين ينجزون هيكلته، ولكن ما هو البديل لهذا الواقع الإقتصادي، أليس ثمة بديل لأنموذج إقتصاد السوق السائد، وعقيدته والفاعلين في إطاره؟... هذه التساؤلات وغيرها مما يتعلق بأمور الإقتصاد العالمي وإشكالاته... يحاول بيار كالام ومن خلال بحثه هذا الإجابة عنها بهدف الوصول إلى إقتصاد عالمي عادل، يأخذ بيار كالام القارئ في رحلة بحثية المهمة الأولى فيها تتمثل في فهم العالم كما هو وذلك من خلال عرض متألق للهياكل الحكومية ونماذج الربط ومصادر الرفاه الإنساني التي توفرها الحياة العصرية، وشعار كالام في هذا كله "التعددية" إذ أن فهم العالم يفرض فهم تنوع الشعوب والمؤسسات والتطلعات والأفكار المحيطة بكل ذلك. ذلك أن هذا البحث يدور قبل كل شيء أحوال الأفكار، لأنه مستوحى أولاً من نفور إزاء نزعة الإختزال المنهجي المسمى أيضاً العيب الريكاردي... وإلى هذا فإن بيار كالام يكتب من ضمن منهجية آدام سميث ومالتوس وكينز؛ بإعتباره مراقباً للخاصيات الكبرى للعالم بما هو عليه، شحوناً بأحداث تاريخية وبثمار السيرورة الثورية، ومساءً فهمه في الأصل وغير مستقر، وينزع إلى الكارثة. من هنا، يرى كالام أن المجتمع الإنساني وإذا كان قادراً على تحقيق إنجازات فيفترض به، كما يجب عليه، أن يكون قادراً أيضاً على القيام بأعمال مرتكزة على حوافز، فضلاً عن إمكانية تحديد أهداف له وبلوغها في عالم تحكم فيه المجتمعات نفسها بنفسها، وبعبارة أخرى يرى كالام بأن هناك تحولات ثلاث يجب أن يصار إلى تحقيقها وصولاً إلى إقتصاد عالمي عادل وهي: التحول الأول يتعلق بالحوكمة لبلوغ تسيير ترابطات جديدة في طبيعتها ومداها وحجمها، الثاني يخص المنظومة الأخلاقية لبلوغ تأسيس مقومات "العيش المشترك" لمختلف الحضارات، ومختلف الأوساط على قاعدة قيم مشتركة، أما التحول الثالث فهو يتمثل في الإنتقال من أنموذج للتنمية غير قابل للحياة إلى مجتمع مستدام. وقد تم التقدم فيما يخص النقطتين الأولى والثانية بإعلان المبادئ العامة للحوكمة، وبتبني ميثاق المهمات الإنسانية الموفرة لعناصر قاعدة من المبادئ الأخلاقية المشتركة، أما التحول الثالث الذي مثل مدار هذا البحث فهو حول كيفية الإنتقال من أنموذج للتنمية غير قابل للحياة إلى مجتمع مستدام، حيث أن النظام المالي يرتكز، وكما يرى كالام، يرتكز على توازن الدراجة، الذي لا يستمد وجوده إلا من الحركية ومن نمو الإستهلاك؛ خصوصاً وأن إستهلاك الطاقة والموارد الطبيعية في تناقص صارخ مع محدودية إمكانات المحيط الحيوي. على هذا النحو انطلق بحثه عن بديل حقيقي، متحاشياً الإنغلاق وخلال مسيرته البحثية الإنغلاق داخل العقائد، أيّاً كان منشأها، والعودة إلى الواقع، معتمداً في ذلك على مرحلتين عكسهما الكتاب بتقسيمه: الأولى كانت مرحلة الجرد، وتهديم ما قدّم على أنه في الغالب مسلمات خارجة عن الزمان: لذا فقد لاذ بالتاريخ لفهم مصدر "كل هذا"، ولينتقل من ثم إلى حديث حول فضائل الإجمالية الإقتصادية وحدودها. وهذا ما قاده إلى إجراء دراسة نقدية للنظريات الإقتصادية المتوافرة، ثم لتقويم إمكانات التجديد التي انطوت عليها مختلف محاولات البحث عن البدائل، لينتهي الأمر به إلى الإستنتاج القاضي بضرورة بناء نظري أكثر نقدياً، على أن مصطلح الإقتصاد الحياة المشحون بالمعاني بدرجة عالية، والمرتبط بشدة بالنظريات والممارسات السائدة إلى درجة بدت معها محاولة تغيير مساره غير ذات جدوى، وعندها طرح كالام وطبقاً للأصل الإشتقاقي مصطلح "الإقتصاد العادل" الذي يطمح إليه الجميع، أي القواعد لعملتي الإنتاج والتبادل اللتين تضمنان على السواء، رفاهية الكائنات البشرية والعدالة بين المجتمعات، والحفاظ على المحيط الحيوي وعلى حقوق الأجيال المقبلة، ليتم إختتام هذا القسم الأول منطقياً بمنطوق الإقتصاد العادل ودفتر شروطه الذي يبين أن الإقتصاد العادل لا يسعى لأهداف أخرى غير الأهداف العامة للحوكمة، فليس هذه الأخيرة أن تكون خادمة "القوانين الإقتصادية المرفوعة" إلى مصاف "القوانين الطبيعية"، ولكن الإقتصاد العادل هو فرع من الحوكمة. وهذا كان مدار البحث في القسم الثاني الذي جاء تحت عنوان "المبادئ العامة للإقتصاد العادل"، والتي جاءت على النحو التالي: أولاً: الإقتصاد العادل فرع من الحوكمة، ثانياً: أنواع الخيرات والخدمات ونظم الحوكمة في كل واحدة منها، ثالثاً: شرعية الإقتصاد العادل، رابعاً: إقتصاد عادل وديموقراطية، مواطنة، خامساً: الإقليم: فاعل محوري للقرن الواحد والعشرين، سادساً: الترتيبات المؤسسية للإقتصاد العادل سابقاً عملة ومالية.