... أسفت إذ لاحظت أني ميّال للصمت، بل بدوت مجبراً على الصمت وغير ميال إلى التحدث أو المناقشة، قلت لنفسي: ثابتٌ عندي أن الكلام والإكثار منه طريقة للإبتعاد بل الإبعاد عن الجرح أو نقلاً للإنتباه من غرضٍ إلى غرض.هربت، إذن، إلى الكلمات، كان صوتي ضعيفاً، فبذلت جهوداً واعية لرفعه...
... أسفت إذ لاحظت أني ميّال للصمت، بل بدوت مجبراً على الصمت وغير ميال إلى التحدث أو المناقشة، قلت لنفسي: ثابتٌ عندي أن الكلام والإكثار منه طريقة للإبتعاد بل الإبعاد عن الجرح أو نقلاً للإنتباه من غرضٍ إلى غرض.
هربت، إذن، إلى الكلمات، كان صوتي ضعيفاً، فبذلت جهوداً واعية لرفعه ورفعه، وهكذا صرت أتوجه إلى نواحي القوة عندي، وإلى النواحي التي أستطيع عندها أن أقدم نفسي عوناً لنفسي، أو نفعاً لأحد، بواسطة الكلام والإكثار من الكلام...
إذا كان كلامنا عن الإنكسار، كشاهد، يحدث تغييراً، وإذا كانت كتابة القلق طريقة تعدّل فيه أو مساعدة على التطهير الذاتي؛ فإن تعلم السلوك الناجح الناضج ضرورة وحكمة وعلاج... تعلّم السلوك الواجب يقوم على السير في الطريق إلى الإيجابية والنضج الإنفعالي، وإقتبال الواقع غير المؤاتي، وإظهار الشجاعة.
الشجاعة لا بدّ منها، لعلها مستحيلة أحياناً، لكنها لا بدّية، ولعلها تنفع أكثر بكثير من الإنهيار، ومن الإستسلام المطبق أو من العيش المستمرّ مع الأفعى، حتى الشجاعة نستطيع تعلمها، فالضعف عيب، وهو ينفع، الشجاعة قوة على القلق، وتجميد لسريان السمّ في الجسد، ثم إنها سندٌ للقول الجميل: "ولا تُرِيَنَّ الناس إلا تجمّلاً، وتحمّلاً، نما بك دهرٌ أو جفاك خليلٌ"...
[قولات حكمية ومأثورات مثيرات للكفاح، مكثّف العبارات المولّدة للإيجابية]... كتبت على وريقات صغيرة عبارات مكثّفة توحي بالشجاعة، وتعلم الصبر والتحمل، وريقات صغيرة كثيرة كنت لا أشبع من قراءتها؛ أحياناً أضعها أمامي، وأعيد ترتيبها، كان يكفيني أن أراها كي أسترخي، وأتنفس عميقاً ومرات عدّة... استعملت تلك الأشياء لتثير فيَّ ما هو إيجاب، فرؤية ما هو إيجابي يولّد الإيجابي والروّية...
إقتباس من مجموعة اكتوبات كما سمّاها د. زيعور في سياق حراثاته الفكرية وحالاته العيادية التي بين يديّ القارئ في هذا الكتاب، أكتوبات كان قد كتبها بسرعة بين أنباب الفتنة اللبنانية إبان الحرب اللبنانية الأهلية... كتبها ليضع تجربته الذاتية على الورق... إخراج الوساوس إلى الهواء، والواقع، بالقلم، وعلى الورقة، معناه إخراجها للنظر فيها ولمحاكمة حكم القدر والدهر في البشر.
وهذه المجموعة من الإكتوبات التي يضمها الكتاب ليست كلها تجارب ذاتية، كما أنه لم يكن كلّه كلاماً عن حالات عيادية معيوشة، ومن ثم أمراضٍ نفسية أو إكتئابات عاناها وعرفها من الداخل إختصاصي شاء أن يسردها ويصقلها من أجل أن تساعده على فهم وعلاج المرض النفسي والواقعين فريسةً له...
ومن خلال هذه الكتابات او الإكتوبات سيلحظ القارئ، كما هي تتناضح وتتكافأ، تتفاذى وتتضامن التجارب الشخصية مع الأدب النفسي العيادي في حقول التشخيص والتفسير، ومن ثم في طرح التغيير أو العلاج والسير شطر الصحة النفسية للشخصية والنحناوية والتواصلية، للمجتمع والفكر والثقافة.
الأهم في هذا الكتاب بابان: الأول يبسط أو يسرد المعانيات؛ أي الشخص تم العلاج لحالات الإكتئاب المتنوّع والحِداد، لأحزان العاشق والمتصابية والمتشبب، والمريض كما الخائف، وذاك، منهج غير أكاديمي.
أما الثاني فيشتمل على بحوثاً مجلاّتية، في الفلسفة والفكر، واللغة كما الكرامة والحرية، والخير المسعِدْ أو السعادة الفاضلة... وهي دراسات، أو أكتوبات المتكلم فيها هو الأنا المخاطِبَة، والمحللة أن المشخّصة كما الطارحة للتغير أو للشفاء، تتكلم بصوت العيادة النفسية، والعيادي هو الواصف والكاشف لحالة الإكتئاب، الفقدان، الجواد وأحزان العشق، وهو الخائف والمرعوب، النادم والمرتكب، المنجرح والمنغلب، المثبط والمنهدم والمنكسر، المؤثّم نفسه والخاسر ومثيلاتها من الحالات التي يمرّ بها الإنسان في إجتراحاته.
بعبارة أخرى الكشف الأمراض النفسية الناشئة عن تلك الحالات تشخيصها وعلاجها، والتجربة الشخصية للدكتور زيعور في اكتوباته أو دراسته هذه هي أساسية وفاعلة، وبخاصة من حيث أن المعاني معيوشة والحقائق موضوعية عامة.