أنا أكتب الكتابة، وأكتب عن الكاتب، وفي الوقت نفسه أقرأ ما أكتبه، ولهذا فإن العنوان أو الباراتكست Paratexte، وهو عن القراءة، أنا أقرأ، ثم أكتب، أكتب عما أقرأه، أي أكتب عن نفسي، ثم أعود، وأقرأ ما كتبته، ثم أتلاشى بعد ذلك، وتبقى الكتابة، ولكنني بعد ذلك أبقى في الكتابة.وهذا هو حال...
أنا أكتب الكتابة، وأكتب عن الكاتب، وفي الوقت نفسه أقرأ ما أكتبه، ولهذا فإن العنوان أو الباراتكست Paratexte، وهو عن القراءة، أنا أقرأ، ثم أكتب، أكتب عما أقرأه، أي أكتب عن نفسي، ثم أعود، وأقرأ ما كتبته، ثم أتلاشى بعد ذلك، وتبقى الكتابة، ولكنني بعد ذلك أبقى في الكتابة.
وهذا هو حال الكاتب، منذ أن وجد، وإلى الآن، ولهذا فإن الكتابة، أي كتابة، لا بد أن تكون تناصية، وأي كتابة تخرج عن هذا القبيل لا بد أن تكون مجازية، انطلقت من قراءة خاطئة، أو وهمية، للغة مجازية، ويبدو لي أن معظم؛ إن لم يكن كل القراءات المجازية، التي قرأها القارئ في مجتمع أميّ، كانت قراءة ماكرة.
القارئ كان بحكم أنه القارئ الوحيد، متسلط أو صاحب السلطة (أنا هنا اقترب من فوكو، وهو أحد أبطال رواية جوليا كريستيقا) أي إن المعرفة سلطة، هذا ما قال فوكو، والقارئ هو أيضاً الكاتب، وهو قارئ استولى على اللغة الحقيقية التي انشأها الآباء، الذين أنشأوا مجتمع البدايات، وحولها إلى لغة مجازية.
وفي سبيل أن يُجَيرْها لحسابه، وسلطانه، ما الحل، أو ما العمل إذن؟ مؤكد (كما تصوره جوليا كريستيقا) يرى أن الحل، أو الخلاص، يكمن في إلغاء اللغة، (لأنها هي التي تسلطت على الإنسان، وما زالت تتسلط عليه حتى الآن، الحل هو أن يتحول الإنسان من حيوان ناطق إلى حيوان فاعل؛ ولكن يستطيع في رأيي أن يعيش إذا استخدم لغته هو، وليس لغة الآخر، ولكن هذا يعيدنا إلى ما قاله فوكو عن لغة المجانين.
ذلك أن المجتمع يعتبر أي لغة مختلفة عن لغته خروجاً، مرادفاً للجنون (وللشر)، ولهذا فإنه يصادرها، ويسجن صاحبها، وهذا ما فعله المجتمع الفرنسي بعد سيطرة المنطق الديكارتي، أو الكوجيتو الكارتيزياني، ويمكن تلخيص لغة "اللغة هي الفلسفة التي تحولت على يد جيل جوليا كريستيغا، إلى اللغة، أو إلى علم ألسني بحت، قلت هذا من قبل) المنطق الديكارتي في كلمة واحدة هي Commonsense، أي "المنطق العام".
والمنطق العام لغة لو تكلمها الجميع، فإنهم يصلون إلى رأي واحد، ونتيجة واحدة، وهذا هو المطلوب، أي إننا إزاء نظام Order (اللغة نظام من السيماءات) يفسر الكون ويسيّره، نظام مجتمع يخضع له الجميع، أو لغة (أو معرفة) متسلطة، عدنا إلى مؤكد، أو عدنا إلى "النظرية الواحدة، أو الوحيدة"، التي تحدثت عنها من قبل.
وفي رأيي - أنا لا أذهب مذهب مؤكد في إلغاء اللغة - إننا يمكن أن نتقل لغة منطق العام، إذا أخذنا في الحسبان (وشريطة أن نفعل ذلك دائماً)، أن هذه اللغة، لغة مجازية محضة، وأن الأحكام (والقوانين) المنبثقة منها هي أحكام مجازية لا ترقى إلى درجة القوانين الطبيعية، ولا بد في رأيي أن نفعل ذلك - أي نتبنى اللغة الواحدة، أي أن يكون لنا عقد إجتماعي كالذي وصفه وسور لأنه بدونه لن تكون هناك حضارة، ولن يكون هناك تقدم، قلت هذا من قبل، ولكن الأشكال المزمن، هو أن تأتي فئة معينة، أو شخص يخدم مصالح هذه الفئة، أو فئة تخدم مصالح هذه الفئة، هو أن يأتي هؤلاء، ويحتكرون حق تفسير اللغة كمرحلة أولى، ثم يحولون هذا التفسير إلى لغة وحيدة، لغة يفرضونها كلفة حقيقية، وليس كلفة مجازية، وقد يبدو في كلامي هذا شيء من الغموض، ولكن ليس فيه حقّاً شيء من ذلك، لأنني أتحدث عن ستالين، وويجول، ونيكسون، الذين استولوا على اللغة، وأعادوا صوغها، ثم قدموها إلى الآخرين كلفة حقيقية وحيدة، وهؤلاء أمرهم يسير، إذا سرعان ما ينكشفون، وينتهون بعد ذلك، ولكن الأخطر منهم هم البيرقراطيون، الذين وضعهم كافكا (القضاة في رواية الحاكمة، والكتبة في رواية القلعة).
للعقل الإنساني قدرته على إختراق أسوار الكلمات وحجبها... وقدرته على فلسفتها تبعاً للمنظور والمقروء والمتداول والموروث... هكذا في مقالته هذه كما في مجموعة المقالات التي خطها عابد خزندار، يحاول التماهي مع الكلمة وبالتالي مع اللغة لإكتشاف أسرارها، لإكتشاف أعمق معانيها...
رؤى وإستشفافات يودعها مقالاته هذه التي كانت مادتها أعمال أدبية لكتاب وأدباء عرب وأجانب، والملفت العنوان الذي اندرجت تحته تلك المقالات "قراءة في كتاب الحب" ولن يكون صعباً على قارئ هذه الكلمات أن توأم روح هذا الكاتب وحبه هو بإستشفافاته الفلسفية.