رغم مضيّ قرابة العقدين على وفاته، ما زال عبد الله بن حمود الطريقي يتردد ذكره العطر في الإعلام والكتب، ويشاد بدوره الوطني، كان حريصاً منذ طفولته على العلم مجدّاً ومجتهداً في عمله.سافر وتغرب وكافح من أجل الحصول على العلم، كما أنه اختار التخصص في علم الجيولوجيا عندما رأى -...

رغم مضيّ قرابة العقدين على وفاته، ما زال عبد الله بن حمود الطريقي يتردد ذكره العطر في الإعلام والكتب، ويشاد بدوره الوطني، كان حريصاً منذ طفولته على العلم مجدّاً ومجتهداً في عمله.

سافر وتغرب وكافح من أجل الحصول على العلم، كما أنه اختار التخصص في علم الجيولوجيا عندما رأى - بتفكير سليم - أن عصر الصناعة البترولية في المملكة العربية السعودية قد بدأ، وظهرت معالمه.

كان عبد الله الطريقي شابّاً طموحاً، يحمل - بين أضلعه - حلماً تبلور عندما عاد بعد الإنتهاء من الماجيستير، وعمل في إدارة شؤون النفط التابعة لوزارة المالية قبل إنشاء وزارة للبترول، وفي هذه الإدارة كان مسؤولاً عن شؤون الشركات الأجنبية.

كان لدى الطريقي إحساس بإستغلال شركات البترول، للدول المالكة للنفط من خلال عقود غير متوازنة، وغير عادلة، وقد وجد هذا الأمر واقعاً مادياً من خلال عمله في هذه الإدارة.

لقد رأي الطريقي - بأم عينه - أن الشركات البترولية (شركة أرامكو) تسيطر بشكل كامل على الصناعة البترولية، بدءاً بمرحلة الإستكشاف، وإنتهاءً بمرحلة التصدير والتسعير والبيع، وتستغل - بشكل كبير - منافع وعوائد هذا المورد الطبيعي البترولي لصالحها على حساب مصالح الشعب.

لم يكن عبد الله الطريقي ثورياً، بل كان براغماتياً، له أهداف إصلاحية وطنية، كما كان عروبياً وحدودياً، يؤمن بأهمية التكامل الإقتصادي العربي، وأن في وحدة الأمة العربية قوّة لها، ومصلحة لشعوبها.

كان مشغولاً ومهموماً بقضايا الصناعة البترولية السعودية، وضع لها إستراتيجية "وأهدافاً مشى إلى تحقيقها بتخطيط وهدوء قائم على المعرفة الجيدة، والإدارة القوية.

ظهرت في المشهد السياسي السعودي في الستينات من القرن الماضي فرصة للإصلاح فكان عبد الله الطريقي أحد وزرائها، حيث عُيّن وزيراً للبترول، وفي خلال حوالي السنة والربع التي ترأس فيها وزارة البترول والثروة المعدنية وضع الأسس لتغيير وإصلاح جذري للصناعة البترولية السعودية، لكنه لم تدم تلك الفسحة التاريخية للإصلاح إلا زمناً قصيراً تجاوز العام بعدة أشهر (ديسمبر 196م إلى مارس 1962) أقبل بعدها عبد الله الطريقي من ضمن إقالة كامل أعضاء مجلس الوزراء، وغادر بعدها الطريقي البلاد مبعداً، وبدأ مشواراً جديداً على نفس الطريق والمبادئ، ولكن من فضاء عربي شرق أوسطي.

من خلال موقعه، كمسؤول أول عن وزارة البترول السعودية، قام الطريقي بعدة أمور جوهرية أهمها: أولاً - إعادة صباغة، أو تعديل الإتفاقات البترولية بين شركات البترول العاملة في السعودية لإستعادة جزء من حقوق الأمة فيما يتعلق بعملية التسمير والمشاركة في الأرباح ثانياً إعادة هيكلة الوزارة وأهم أمر في هذا المجال هو التأسيس لبناء قاعدة جيدة من الشباب السعودي المؤهل علميّاً؛ للعمل في القطاع النفطي.

وقد انبعث العديد منهم، وأشرف على ذلك بنفسه، ثالثاً - العمل مع صديقه وزير البترول الفنزويلي د. جوان الفرنسو على قيام إتحاد بين الحكومات المالكة للبترول؛ لتواجه الإحتكار والإتحاديين الشركات الغربية، وسُمّيَ هذا التنظيم بــ (منظمة الدول المصدرة للبترول) والتي يُرمز لها بالإنجليزية (OPEC).

لقد نجحت هذه المنظمة بفضل التعاون بين الحكومات على الإنعتاق من أن تصبح كل حكومة أداة بيد الشركة العاملة في أراضيها لضرب مصالح الدول الأخرى، كما استطاعت تشكيل قوة تفاوضية في وجه إتحاد الشركات الغربية.

هذا الجانب التاريخي في حياة عبد الله الطريقي يعرفه كل دارس لإقتصاديات النفط، فهو علم من أعلام حقبة الستينات النفطية في الشرق الأوسط، بزغ فجره من صحراء المملكة العربية السعودية الحاملة في بطنها أكبر مخزون للنفط في العالم آنذاك، وذاع صيته وانتشر بين المسؤولين والمهنيين العاملين والموجهين لمسيرة هذا القطاع الإقتصادي الهام في حياة الدول المنتجة والمستهلكة حول العالم.

من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي سيرة كفاح هذا الرجل ونجاحاته وإقتحاماته الجريئة للشركات الغربية التي تعمل في حقول النفط في المملكة العربية السعودية وتستغلها؛ يتحدث الكاتب عن هذا الإنسان مستعرضاً ما كتب عنه من قبل القاصي والداني، عرباً وغربيين، مسؤولين سياسيين وإقتصاديين وأعلام وإعلاميين.

مغنياً هذه السيرة بكتاب مهم ألفه عبد الله الطريقي وجاء تحت عنوان (جيولوجيا المملكة العربية السعودية).