الصين.. أمة ثقافتها متنوعة بتعدد أجناسها وقومياتها التي تصل إلى ست وخمسين قومية، وشعب أدبه رائق فريد لا يعرفه إلا من درسه وقرأه ونقده، وحياتهم مليئة بزخم هائل من المواقف والتقاليد والطبائع الحسنة والمأخوذة عن العلماء والأساتذة والمفكرين الأوائل. والغوص في تاريخ تلك...
الصين.. أمة ثقافتها متنوعة بتعدد أجناسها وقومياتها التي تصل إلى ست وخمسين قومية، وشعب أدبه رائق فريد لا يعرفه إلا من درسه وقرأه ونقده، وحياتهم مليئة بزخم هائل من المواقف والتقاليد والطبائع الحسنة والمأخوذة عن العلماء والأساتذة والمفكرين الأوائل. والغوص في تاريخ تلك الحضارة التي تعد من أقدم الحضارات في العالم، والتي يعود تاريخها المدوّن إلى ما قبل أربعة آلاف سنة تقريباً يقود إلى الإقرار بأن ما ضمه هذا الكتاب هو جدير بالبحث والاهتمام لما تحويه تلك البلاد من آثار ذات قيمة تاريخية عالية، وهي في مجملها تحكي بوضوح عن اتجاه هذه الحضارة الشرقية اللذيذة من نوعها. يقول الباحث المطرفي، مؤلف هذا الكتاب، أنه عندما تسلم أمر طلب للتدريس في المدرسة السعودية ببكين، شعر بالمفاجأة بعض الشيء، حيث أن الصين تعدّ، ومازالت، مضرباً للمثل في البعد عن عرب الصحراء. وقد ضمّن كتابه هذا مشاهداته وما سمعه وشعر به خلال فترة عمله في الصين التي امتدت من عام 2008 حتى 2012م.هذا ويعدّ الكتاب الأول من نوعه في علاقات التواصل الصيني - السعودي، والذي تميّز بثلاث خصائص، هي أولاً، وصفه الدقيق لمعالم الصين ومدنها الكثيرة منها: بكين وشيآن دفوانفتشو وشانغهاي وهونغ كونغ وسوتشو وهانغتشو.. وغيرها، إلى جانب تقديمه خصائص هذه المدن في مختلف المجالات، المناظر الطبيعية، الأطعمة التي تتميز بها تلك المدن، طبّها التقليدي، رواياتها، موسيقاها وأعيادها التقليدية. وكتب قائلاً: "في هذه الدولة العظيمة كل عظيم فخيم، وكل قوي شديد، وكل متحرك سريع، وكل فن جميل، وكل عديد وفير، وكل منظر أخّاذ". ثم تطرّق إلى الحديث عن سور الصين العظيم، راسماً بوصفه صورة طبيعةنه على مدى عام، خلال معايشته الفصول الأربعة، فقال: "في الشتاء تكون الجبال مكسوة بالثلج بيضاء، والأشجار عارية من الخضرة، وفي الربيع تجد الجبال الخضراء والمنظر الساحر، وفي الصيف تجد الخضرة بسبب هطول الأمطار، وفي الخريف ترى منظراً أصفر يكسو الجبال".كما أجاد بوصفه أسواق بكين، واستقطع الباحث من حديثه عن الصين حيّزاً خاصاً تناول فيه الحديث عن حماية الثقافة الإسلامية، مثل المساجد، والعطل الإسلامية، والمعاهد العلمية الإسلامية في شتى بلاد الصين. أما الميزة الثانية للكتاب فتشمل في إيضاحه "روح الصين" ، حيث أكد أن الامة الصينية تتمتع بالتاريخ الطويل لحضارة ونظام فكري يختلف عن الغرب، وتحدث عن الفلسفة الصينية القديمة (ين) و (يانغ) مبيناً الميزة في تناقضهما وتكاملها في ذات الوقت، كما تحدث عن مدى حرص الصينين على الأخلاق التقليدية المتمثلة في طاعة الوالدين، والامانة، والالتزام بالوعد، واحترام المعلم والاهتمام بالتعلم .. وبهذا يكون الكاتب قد جمع أهم العوامل التي تبقي القوة الدافعة للحضارة الصينية التي امتدت على مدى خمسة آلاف سنة.ولابد من الإشارة إلى ما ذكره الباحث حول الفكر الصيني الذي يولي التناغم بين الإنسان والطبيعة اهتماماً كبيراً، من هنا فقد مثل الجمع بين الطبيعة والإنسان وحاجياته من أهم موضوعات ذلك الفكر وتلك الثقافة. بالإضافة إلى اهتمامه بالارتقاء بالتهذيب الذاتي والتربية الأخلاقية، كما واهتمامه بفهم الحكمة وتطبيقها أكثر، ولا يولي أهمية كبيرة على الاستنتاج المنطقي، مشدداً على أن النهوض الأخلاقي والفكري والثقافي هو المفتاح الذهبي للتقدم وصناعة الثروة المعنوية والنفسية للأمم، "فالأخلاق التقليدية مازالت إلى اليوم، وهذا ما تعجبت منه أثناء فترة إقامتي وتعايشي معهم، وهو أن الأجيال الحالية اكتسبت من ماضيها وتقاليدها ما هو إيجابي، فهذه الأخلاق هي التي تتقدم بها الأمم وتستمر بها مسيرة الحضارة البشرية".وأخيراً، تحدث الكاتب عن التقارب بين "قلوب" الشعبين الصيني والسعودي"، (وهذا ما مثل الخاصية الثالثة لعمله هذا، مستدلاً على ذلك بأن جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة تدفع بالتواصل الثقافي الصيني العربي قدماً، وتبادل الفنانين الصينين والعرب حديث الروح في المعرض التشكيلي الفوتوغرافي، وذهاب الدفعة الاولى من الطلبة المبعثين السعوديين لإكمال دراستهم في الصين، "وبهذا تكون قد تحققت لأول مرة في التاريخ المقولة التي اشتهرت منذ خمسة عشر قرناً (اطلب العلم ولو في الصين)".