كثيرةٌ هي الدراسات التي استهدفت البحث في طبيعة الإبداع الفني عامة والشعري خاصة، وقد قرنت تلك الكثرة بتنوعٍ كبيرٍ في مجالات الدرس ومنطلقاته، ومناهجه، ما بين التاريخي، والوصفي، والتفسيري، والنفسي.ورغم هذا الزخم من كثرة الدراسات وتنوعها إلا أن أغلب الدراسات العربية الجادة...

كثيرةٌ هي الدراسات التي استهدفت البحث في طبيعة الإبداع الفني عامة والشعري خاصة، وقد قرنت تلك الكثرة بتنوعٍ كبيرٍ في مجالات الدرس ومنطلقاته، ومناهجه، ما بين التاريخي، والوصفي، والتفسيري، والنفسي.

ورغم هذا الزخم من كثرة الدراسات وتنوعها إلا أن أغلب الدراسات العربية الجادة التي عنيت بالبحث في طبيعة الإبداع، ومفهومه، وأسسه، وشروطه كانت مؤسسةً على المنهج النفسي الخالص الذي يظل - رغم التقاطعات مع المنهج الأدبي والنقدي - قاصراً عن النفاذ إلى عمق الأبعاد الفنية والمعرفية والوظيفية الدقيقة في إطار عملية الإبداع.

أما تلك الدراسات التي نهجت في درس الإبداع الشعري منهجاً أدبياً وفنياً فقد كان مجال بحثها، ومصدرُ المادة العلمية لها هي الآراء والرؤى النقدية للعلماء والنقاد والرواة على إختلاف توجهاتهم، وتباين مذاهبهم.

وتأسيساً عل كل ما سبق رأينا أنه لن تكتمل لدراسة الإبداع الأسسُ اللازمةُ والأدواتُ الفاعلةُ للتعرف على طبيعته ومثيراته، وتحديد أبعاده الفنية والمعرفية والوظيفية، إلا بالتوفّر على دراسة تراث رؤى المبدعين من الشعراء وآرائهم، وإستشراف آفاقها المتراحبة والكاشفة عن طبيعة الإبداع بكل ما يكتنفها، وبكل ما تحتويه.

لذلك، تطمح هذه الدراسة إلى تقديم رؤية نقدية وفنية لطبيعة الإبداع تبرأ من الأحكام النقدية المسبقة، والإسقاطات المعرفية والمذهبية الجاهزة، فهي رؤيةٌ حياديةٌ خالصةٌ، تنطلق من التفاصيل الثرية لعملية الإبداع، وتنتهي لملامسة جوهره وطبيعته، وتعمل على تحقيق ذلك عبر منهج إستقصائي يستهدف الإحاطة بأكبر مجالٍ يمكن من خلالها التعرف على طبيعة الإبداع الشعري من منظور الشعراء المبدعين أنفسهم؛ حيث نرصد، ونتأمّل، ونحلّل، ونفسّر - في موضوعيةٍ وحيادٍ - رؤى وآراء أكثر من خمسين شاعراً توزّعوا على مدى خمسة قرون كاملة؛ مما يعضد ويدعم بقوةٍ وزخمٍ وموضوعيةٍ النتائج التي يمكن التوصل إليها.