يعتبر الجدل بين المؤلف والمخرج واحداً من المشكلات الكبيرة التي اعترضت سيرورة بناء العرض المسرحي، لأسباب تتصل بكيفية استجابة النص لشروط حياة العرض فوق خشبة المسرح. وهي حياة بكلّ ما فيها من معانٍ، ذلك أن صناعة العرض من نص مكتوب ليس مهمة سهلة، بل هو أمرٌ لا يرضخ إلا للقلائل من...
يعتبر الجدل بين المؤلف والمخرج واحداً من المشكلات الكبيرة التي اعترضت سيرورة بناء العرض المسرحي، لأسباب تتصل بكيفية استجابة النص لشروط حياة العرض فوق خشبة المسرح. وهي حياة بكلّ ما فيها من معانٍ، ذلك أن صناعة العرض من نص مكتوب ليس مهمة سهلة، بل هو أمرٌ لا يرضخ إلا للقلائل من المخرجين، لأنه يتطلب رؤية وفلسفة قادرة على تحويل ما هو من قبيل التصور والإدراك إلى ما هو متعيّن حياة وحضوراً وحركة وتفكيراً، وضمن شروط وتفاصيل جمالية متشابكة ومعقدة. من هنا فإن الإنتقال من حيز المتن اللفظي إلى حيّز الأنيّة الحية عبر تصور بنّاء أو صانع جديد ينشء اختلافاً بل تناقضاً في كثير من الأحيان، وذلك هو منشأ الجدل في علاقة العرض المسرحي بالمؤلف. وعليه، فقد ظهرت شخصية الدراما تدرج منذ أكثر من ثلاثة قرون لتضع حلاً لذلك الجدل أو التناقض ولتقوم بمهمة صناعة العرض في النص، وهي صناعة توجّه رسالة قوية للمؤلف بأن يتنحى وأن يترك لهذه الشخصية التي دخلت المسرح (الدراما تدرج) أن تقوم بدورها الطبيعي. لقد أنشأ ذلك روحاً جديدة للعرض المسرحي، إذ لم يعد المسرح متوناً يدفع بها في أيدي الممثلين والمخرجين، لا بد أن يمر النص عبر شروط الدراماتورجية الجديدة لكي يستقر في آنية وجودية كاملة، وضمن شروطها الجمالية في المكان والزمان والرؤيا. ثم وعندما تقدم المسرح مع صعود حركات التجريب وضربات الحداثة، كانت شخصية الدراماتورج أكثر الشخصيات في العمل المسرحي تمركزاً عند بؤرة عصيان النص أو المؤلف، وإلغاء حالة الجدل السابقة بشكل كامل، ذلك أن التجريب وخاصة في مرحلة ما بعد الحداثة نقل شخصية الدراماتورج الجديدة بكل أدواره ووظائفه ليجعلها في المخرج، ليكون هو المسؤول أولاً وأخيراً عن بناء العرض في النص، رغم أنف النص. لم تكن مسألة انتقال سلطة بين أدوار العمل المسرحي. ولكن المسألة تكمن في البحث عن موقع النار المشتعلة لروح العرض. من هو صاحب الروح الحرّة المتوقدة برؤية الحياة الجديدة في النص، ومن ثم العرض؟ من هو الجدير بخوض هذه التجربة المضحيّة، كان ذلك هو من نصيب صنّاع التجريب والفكر التجريبي الخلاق بدون شك .. لقد كانت هناك نماذج عالمية مدهشة في هذا السياق استطاع المسرح العربي أن يثاقفها بوعي تجريبي، وأن يتخذ منهجها من أجل بناء صورة العرض المسرحي الجديد عبر نص مغاير لا يكتبه جدل المؤلف والمخرج إنما يكتبه المخرج وحده، عن هذا الدور الجديد للمخرج الدراماتورج تأتي تجربة أبحاث هذا الكتاب في سياق الندوة الفكرية المصاحبة لأعمال الدورة السابعة للمهرجان المسرحي للفرقة المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون المنعقدة في دولة قطر في الفترة ما بين 1-10 أكتوبر / تشرين الأول من العام 2001م. وقد تميّزت هذه التجربة بالإختيار النوعي الدقيق للمشاركين إذ ضم هذا الكتاب أبحاثاً لكل من المخرجين صلاح القصب، وقاسم محمد، وهما يمثلان إتجاهين متقابلين في تجريبية الدراماتورج في المسرح العربي. وبصورة عامة فإن أبحاث هذا الكتاب تعطي الإنطباع بالأهمية البالغة للعرض المسرحي بعد أن أطلق المخرج الدراماتورج فلسفته الجديدة في تحرير النص من مؤلفه. وتحريره من مصاحباته المقيّدة والدفع به نحو حياة مختلفة، لا يلامس التفرج فيها حياة لمؤلف واحد أو ممثل واحد، بل يقاطع مع مجموعة من القوى الإنسانية المحركة للحياة على المسرح.