تعتبر "مكبث" في الوقت الحاضر قصيدة شعرية من أعلى المستويات، مقابل مسرحية تاريخية أو تراجيديا. في هذه المسرحية المدماة يجعلك شكسيبر، لا متفرجاً على مسرحية، بل جزءاً منها. منذ البداية تشعر أنك مدفوع في سرعة الحواث وقصر المشاهد، دوامة تعطل فيك القدرة على التميز. ودوار يفكك...
تعتبر "مكبث" في الوقت الحاضر قصيدة شعرية من أعلى المستويات، مقابل مسرحية تاريخية أو تراجيديا. في هذه المسرحية المدماة يجعلك شكسيبر، لا متفرجاً على مسرحية، بل جزءاً منها. منذ البداية تشعر أنك مدفوع في سرعة الحواث وقصر المشاهد، دوامة تعطل فيك القدرة على التميز. ودوار يفكك مخيلتك الصغيرة، كيانك الخاص. وحتى يزيد من لهاثك العاطفي والفكري، شحن شكسبير لك في هذه القصيدة، أسئلة حادة مقتضبة، والإجابة عنها تزيدك ارتباكاً وخوفاً. تبدأ "مكبث" أول ما تبدأ بالساحرات يتساءلن: متى اللقاء؟ وأول جملة ينطقها الملك: "ما هذا الرجل المتسربل بالدم". في "مكبث" رموز من الشر على المسرح، حقائق ملموسة، لم تظهر قبل ذلك على هذه الصورة في المسرحيات الشكسبيرية، وللمرة الأولى يرى الحاضر والناظر والقارئ الجحيم ينزل إلى المسرح، العقاب هنا، أمامنا بكل أبعاده العُنفية المأساوية، لحالم متزلزل لا يستقر أمام العين. كان هم مكبث أن يقتل الزمن، وأن يقتل النوم، وأن يقتل المستقبل، قتلها جميعاً، لكنها عادت إليه أشباحاً تمزقه من الداخل "حرّمت عليه النوم" و"صار كل صوت يرعبه"، عيناه تريان ولا تريان، ثم ما لبث أن شرعت حواسه بالصراع والتقاتل فيما بينها. أغرب معركة، ربما في تاريخ الأدب. الذي يسمعه لا يراه، الذي يراه لا يلمسه، وكذلك لا وجود لما يشمه.