منذ نكسة الخامس من حزيران سنة 1967، وغداة الإعتداء الإسرائيلي على مطار بيروت في كانون الثاني سنة 1968 تحديداً، بدأ شعار "قوة لبنان في ضعفه" يهتز وينهار بعد أن شكل لبنان عبر تاريخه الطويل، وبسبب موقعه الجغرافي، ونظامه الحرّ، وإنفتاحه على الجوار: ملجأ للمبعدين والمضطهدين يحتمون...

منذ نكسة الخامس من حزيران سنة 1967، وغداة الإعتداء الإسرائيلي على مطار بيروت في كانون الثاني سنة 1968 تحديداً، بدأ شعار "قوة لبنان في ضعفه" يهتز وينهار بعد أن شكل لبنان عبر تاريخه الطويل، وبسبب موقعه الجغرافي، ونظامه الحرّ، وإنفتاحه على الجوار: ملجأ للمبعدين والمضطهدين يحتمون في جباله ووديانه، حيث كانوا يجدون الأمان والإطمئنان، وما يلبثون أن ينضمو إلى سكانه الأصليين، مما جعل بلادنا فسيفساء من الظلم والإستبداد والمذابح التي تميزت بها منطقة الشرق الأوسط.

ولعلّ آخر مجموعة لجأت إلى لبنان خلال الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1948 كانت أفواج الأخوة الفلسطينيين، الذين استقبلهم لبنان على الرحب والسعة بإنتظار توافر الظروف الدولية المناسبة لعودتهم إلى أرضهم، إلا أنهم مع تعاقب فصول الأزمة العربية الإسرائيلية، مروراً بنكسة حزيران سنة 1967، وغداة الإعتداء الإسرائيلي على مطار بيروت في الثامن من كانون الثاني 1968، لا يزالون بدون تلك العودة...

وبدأ اللبنانيون يدركون بأن الصراع العربي الإسرائيلي، لن يستثني أية دولة عربية، كبيرة أو صغيرة، قوية أو ضعيفة ومقاتلة أو مسالمة، فتوالت الأحداث فوق الأرض اللبنانية، طرفاها القوى المسلحة اللبنانية من جانب، ومن جانب آخر، المنظمات الفلسطينية المسلحة المتواجدة فوق أرض لبنان، والمتسللة إليها، من المملكة الأردنية بعد أحداث أيلول 1971، الأمر الذي استوجب عقد إتفاقية القاهرة، وإعلان ما سُمّي "فتح لاند" في منطقة العرقوب اللبنانية، وهي الإتفاقية التي قيل وكتب عنها الكثير، كما أهرقت لها أطنان من الحبر، في مرحلة أولى، وفي مراحل متلاحقة، وفيما بعد شلالات من الدم، بدءاً بالمواجهة العسكرية الفلسطينية صيف 1973، مروراً بفصول الحرب الأهلية في معظم المناطق اللبنانية، وإنتهاءً بما عُرف بحربي الإلغاء والتحرير، اللذين عقبا مؤتمر الطائف، ووثيقة الوفاق الوطني التي تمخض عنها، والتي كانت في أساس دستور الجمهورية الثالثة في أيلول سنة 1990...

تلك هي المقدمة التي استهل بها د. نبيه غانم مذكراته هذه حول الحرب الأهلية التي نشبت في منطقتي زحلة والبقاع وامتدت من العام 1975 إلى العام 1992... وإلى هذا فإن د. غانم لن يدخل في مذكراته هذه في يوميات الحرب اللبنانية، وقد أخذ آخرون على عاتقهم تدوينها، وتحليلها، والخروج منها بخلاصات تكون عبراً قضيء طريق لبنان المستقبل وعظات بليغة تقي الأجيال الطالعة، إلى الأبد، التشرذم والإنقسام والتقاتل والإنتحار... لكنه سيقصر إهتمامه في مذكراته هذه على معاناة البقاع والبقاعيين، وهي المعاناة التي عاشها إلى جانبهم لحظة بلحظة، على إمتداد عقدين ونصف العقد من الزمن، بدءاً بصيف سنة 1975 مروراً بعودة الحياة إلى طبيعتها سنة 1992، معرجاً على الإنتخابات النيابية بدوراتها الثلاث المتعاقبة.

وعلى هذا، فقد شملت هذه المذكرات فترة زمنية استوعب أحداث سياسية وعسكرية امتدت من السنة 1975 إلى العام 2000، زخرت هذه المذكرات في جزء منها بأسرار حربية وأخرى سياسة فكانت جديرة بالقراءة، فهي التاريخ وقد حكى...