في النصوص القصصية للراحلة، والتي أتيح للمرء الإطلاع عليها، تتجاور الموهبة الأصيلة والوعد الراسخ مع ارتباكات البداية، ولكن أي جور وفجور أن يتحدث المرء عن "ارتباكات البداية" في نصوص زميلة وصلت إلى أقصى تخوم تجربة وموهبة الحتف قبله؟ ليس الإبداع الحقيقي إلا محاولة صعبة نحو صمت...
في النصوص القصصية للراحلة، والتي أتيح للمرء الإطلاع عليها، تتجاور الموهبة الأصيلة والوعد الراسخ مع ارتباكات البداية، ولكن أي جور وفجور أن يتحدث المرء عن "ارتباكات البداية" في نصوص زميلة وصلت إلى أقصى تخوم تجربة وموهبة الحتف قبله؟ ليس الإبداع الحقيقي إلا محاولة صعبة نحو صمت الخليقة الأولن هناك حيث، في البعيد البعيد، ترفل فايزة بأثوابنا، وأحلامنا، وانكساراتنا جميعاً. وفي نصوصها القصصية تلك يشاكسها الشعر في ما يكاد أن يكون تقليداً في القصة العمانية القصيرة، فتحاول أن تتملص منه وأن تتورط فيه معاً، وأن تغزل القص في نسيج حكاياتها الآسرة، وتتردد في الإفشاء كمن لا يريد أن يقول شيئاً عن الكثير الذي لديه. إنها أنثى تجيء إلى البوح في مناخ اشمأز حتى الذكور من ذكوريته، فيا لصعوبة مهمتها، ويا لنبل مسعاها. تجمع في أحد نصوصها بين ما تسميه "التشابه المفضي إلى العدم" وإشارة لاذعة إلى برنامج "السياحة في بلادي". من المرجح أن فايزة كانت تدرك أن "السياحة" هي أيضاً مفهوم صوفي مارسته هنا في بلادها، أرواح كبيرة مثل عبد الله القرموشي، وذلك بمعنى التطواف المتأمل على الأرض قبل مغادرتها, لكن القرموشي، الذي يتردد في الأثر أنه عبر المسافة من قريات إلى مكة، وفي رواية أخرى من اليمن إلى مكة، سيراً على القدمين، حين سئل في أواخر عمره "كم سنة سحت في الأرض؟" فاجأ سائله بالإجابة التالية: "تسألني كم سنة سحت في الأرض، وكان من الأجدر بك أن تسألني كم سنة سحت في بطن أمي!". عبد الله حبيب