كان كل شيء سينتهي حتماً بعد يوم أو يومين حسب ما كان متوقعاً: فلم يشك أحد ممن رأى الأمر أو انتبه له آنذاك أنه كان أكثر من لعبة قام بها أولاد صغار، ويبدو أن أحدهم، وكان موظفاً في بلدية مسقط، قام، بدافع العادة فقط، بإبلاغ البلدية أن ثمة هناك نوعاً من العبث بالممتلكات العامة، قبل...
كان كل شيء سينتهي حتماً بعد يوم أو يومين حسب ما كان متوقعاً: فلم يشك أحد ممن رأى الأمر أو انتبه له آنذاك أنه كان أكثر من لعبة قام بها أولاد صغار، ويبدو أن أحدهم، وكان موظفاً في بلدية مسقط، قام، بدافع العادة فقط، بإبلاغ البلدية أن ثمة هناك نوعاً من العبث بالممتلكات العامة، قبل أن يشرح بالتفصيل قضية الحبل والجسر هذه. هكذا ورد الخبر في الجريدة الرسمية حسب ما تثبته قصاصات الجرائد المعلقة على لائحة مكتب عبد الله في هذه اللحظة. البلدية بدورها أرسلت في الوقت ذاته أحد عمالها الذين يقومون بعملية تنشيط الشوارع من أجل تنظيفها، وإمرته بأن يقوم بفك الحبل من غير أن يشتبه في أن الحبل ربما حمل في ثناياه أمراً مهماً أو خطيراً. لكن الصباح التالي كان كافياً لمعرفة أن الأمر كان أكثر من أين يكون مجرد لعب أولاد، فقد كان أمام القادمين الآن بسياراتهم، في المكان نفسه، وفي الوقت نفسه، معلقاً بشكل لا يقبل الشك، حبل على هيئة مشنقة. هذه المرة كان المنظر محتشداً، فقد اصطفت السيارات صباحاً وتلكأ الجميع في السير لأن كلاً منهم كان يود لو عرف من أين أتى هذا الحبل المشنقة، ومن يا ترى يمكن أن يكون وراء فعل كهذا. كانت الشرطة قد وصلت بعد الساعة الثامنة بقليل، ووصل مسؤولون من بلدية مسقط كونهم الجهة الأولى التي تعاملت مع الحديث، بعد أن بدأت السيارات في التراكم في الشارع الرئيس روي السيب، وحين تعرفوا على قضية الحبل المشنقة فإنهم سارعوا في عملية تسريع السيارات التي بدأت في التراكم حتى في الاتجاه المعاكس. لم يتصرف رجال المرور سريعاً في الحبل لأنهم ظنوا أنهم لا بد أن يبلغوا مسؤوليهم أولاً: إذ إن الموضوع كان يتعدى قسم المرور والحوادث ليدخل في عداد القضايا التي تحتاج إلى تحقيقات واستفسارات. إن عبد الله يفكر هنا أن رجال المرور قد قاموا بالفعل الصائب حين تأخروا في عمل أي شيء حتى يأتي الرجال المختصون في التحقيقات ويعاينوا الموقع والحبل، فإن رائحة أشبه بالجريمة كانت تنتشر في المكان وتتسلل إلى عقول الجميع وتؤثر فيهم، فما الذي يمنع أن يكون أحدهم قد حاول أن يقوم بشنق أحدهم؟ أو أن أحدهم كان يريد الانتحار، ولسبب أو لآخر، لم تتم العملية كما كان مخططاً لها؟ مع هذا فإن هذا التأخر في فعل شيء سريع من قبل رجال الشرطة كان معناه أن ينتشر الخبر، ويصل إلى أكبر عدد من الناس، الأمر الذي كان هو الآخر صعباً، وربما أنبوا عليه لاحقاً لأنهم لم يتصرفوا بشيء من الحكمة في آنه. لكن هذا ما حصل في النهاية وانتشر الخبر ليكون محط اهتمام الجميع.