ما أن تشرع بقراءة رواية "عنترة يعود الى الجزيرة" حتى يطالعك منظر الصحراء وهي تصحو على الفجر. هي البلدة الراقدة قرب الشواطئ ذات البيوت الصغيرة المتصلاصقة المسماة (سبخة) التي غزاها الغرباء على عيون أبناء القبيلة. "خيرة الفرسان اختطفوا من بين ضلوعهم وقلوبهم، وهجمت عليهم بضع...
ما أن تشرع بقراءة رواية "عنترة يعود الى الجزيرة" حتى يطالعك منظر الصحراء وهي تصحو على الفجر. هي البلدة الراقدة قرب الشواطئ ذات البيوت الصغيرة المتصلاصقة المسماة (سبخة) التي غزاها الغرباء على عيون أبناء القبيلة. "خيرة الفرسان اختطفوا من بين ضلوعهم وقلوبهم، وهجمت عليهم بضع قبائل صغيرة وضيعة متحالفة كانت تحيا بفضل دفاعاتهم عنها وهداياهم لها في أزمنة العوز والجذب، وسبوا النساء وقتلوا الأطفال وأحرقوا مزارع بشهية تدمير مخيفة!..". يتخذ الروائي من شخصية عنترة البطولية مادة للتعبير عن ذلك التلاحم والترابط الذي يبلغ أشده في الدفاع عن الهوية، فثمة إيحاء معتقدي واجتماعي وسياسي لهذه الشخصية التي اختارها عنواناً لروايته وأناط البطولة فيها الى (هلال العبسي) الذي يدخل السجن عقاباً على شجاعته "أدخلوه في كهف عميق، ليس ثمة جس ولا أمس، قال له ضابط السجن: - الأفضل لك أن تستسلم منذ الآن، فلم يسبق لأحد أن خرج حياً وهو معاند...". ما يميز العمل أنه يسلط الضوء على علاقات انسانية تشكل جزءاً من تاريخ مجتمعات الجزيرة العربية والخليج العربي في الماضي والحاضر في حراكه اليومي: إذ تؤرخ الرواية لحدث واقعي بأسلوب رمزي يضفي على البيئة المحلية نكهتها الخاصة.. وكأن الروائي يلفت الى غزو الأغراب في عصرنا الراهن لهذه المنطقة، تحت ستار شعارات ومصطلحات حديثة، ولكن جوهرها، هو السيطرة والهيمنة على جميع المستويات: السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى المعتقدات التي تشكل جزءاً من الهوية العربية