القارىء المتأمل لرواية "ذاكرة الكورفيدا" يدرك منذ البداية أنه أمام بنى سوسيو - نصية، مما هو مختزن في وعي شخصيات العمل وبالأخص الشخصيتين الرئيسيتين وهما "عثمان" و "مرزوق" اللتان سوف تنسجمان أو تتقاطعان مع دلالات النص، وبالتالي تكون القراءة مواجهة بين ثقافتين: ثقافة المؤلف وهو...

القارىء المتأمل لرواية "ذاكرة الكورفيدا" يدرك منذ البداية أنه أمام بنى سوسيو - نصية، مما هو مختزن في وعي شخصيات العمل وبالأخص الشخصيتين الرئيسيتين وهما "عثمان" و "مرزوق" اللتان سوف تنسجمان أو تتقاطعان مع دلالات النص، وبالتالي تكون القراءة مواجهة بين ثقافتين: ثقافة المؤلف وهو هنا "الخطاب - المزروعي" وثقافة القارىء، أثناء عملية القراءة، والذي يعوّل عليه في تفسير النص، واستيعابه، لهذا لا بد من قراءة الرواية في الزوايا الظليلة، والبقع المعتمة، من المبنى الحكائي، ومعرفة ما يختزنه النص من أحداث ترافق حياة الشخصيتين الأساسيتين، في حاضرها وماضيها، أما الحاضر فصوت الراوي غالبٌ عليه، وأما الماضي، فصوت مرزوق هو السائد، لثراء حياته، وكثرة تقلبها، حيث تتدحرج الذكريات، وخاصة ذكرى صلته بمن أحبّ. عائشة التي تنتج صلات معقدة، ووقائع متتابعة في السرد، حبّ متبادل يؤدي إلى الفشل في مستوى اثبات الذات، وإلى زواج المحبوبة بطرف آخر هو سعيد بن مبروك، وتتفتح بعد ذلك الحكاية عن مآزق وعلاقات ودخول للسجن مغيّراً لمسار السرد، وجالياً لشخصية فاعلة، هي شخصية سيف بن علي الذي يأخذ من الرواية قسماً، ومن التأثير في الشخصية الراوية بعداً.
في المقابل تحضر ذكريات مرزوق "والدة غريب" الذي تركه طفلاً، وعاد إليه ليموت بين يديه، وتمكن الدود من أذن صديقه عثمان، ووقائع السجن"، غير أن الجدة في الرواية تنبع من التماهي الذي يتحقق تدريجياً بين شخصية مرزوق وطائر الغراب، "شدني في إحدى المجلات موضوع عن الغراب وعن سلوكه المختلف من بين كل الطيور، التصق الغراب بي، أو قل أن التصقت به ... حفظت عن ظهر قلب كل ما يتعلق بالغراب، إنه مخلوق غريب ، أتعرف يا عثمان الغربان أنواع مختلفة، تختلف من مكان إلى آخر، ولكن أقرب الغربان إلى دواخلي هو الغراب الذي ينتمي إلى عائلة الكورفيدا"، وينهي قوله في آخر الرواية في حال من التداخل التام مع "الكورفيدا": "أنا لست مرزوق بن غريب، بل أنا فرخ الغراب الذي تركه أبواه لأن ريشه مختلف، لندرك في النهاية أن الشخصية تحمل في عمقها الداخلي أزمة نفسية ناشئة عن تأثير اللاوعي في حياتها منذ مرحلة الطفولة امتدت معها في مراحل حياتها اللاحقة وانعكست سلباً على مصيرها.