-
/ عربي / USD
في ماضي القرون كانت القطيب وشقيقتاها الأحساء والبحرين مزدهرة بالأدب والأدباء، والعلم والعلماء. كانت أرضاً خصيبة معطاء منجبة، تصدر الرجال إلى ما وراء الحدود والبحار، منهم المتأخر كالشيخ حسنعلي البدر: (1278-1334هـ)، أحد قادة ثورة العشرين في العراق، التي أنهت الاحتلال البريطاني، وصاحب الدور المشهود في استنكار اعتداء الطليان على ليبيا، والسياسي الصحفي البارع سلمان الصفواني، الوزير في العراق في حقبة الستينات، وعبد الحسين الفارس القطيفي، مندوب العراق لدى الأمم المتحدة، ومنهم المتقدم؛ كالصحابي الدليل رُشَيد الهجري، ومنهم راوي الحديث كإبراهيم الهجري، أبي عمر، وخلاس بن عمرو الهجري، وكالفقيه الجدلي الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي (ت 950هـ)، أحد أكبر فقهاء الإمامية في القرن العاشر الهجري، وأصلب المعارضين للشيخ علي الكركي؛ شيخ الإسلام في دولة الشاه طهماسب الصفوي، ومنهم العلامة المحدث السيد ماجد الصادقي (ت 1028هـ) ناشر علم الحديث في إيران، وكذلك الفيلسوف الشهير الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (1166-1242هـ) الذي وصلت إسهاماته وتأثير مدرسته إلى فارس وكرمان.
وصاحب هذا الديوان؛ أبو البحر الشيخ جعفر الخطي، غيض من فيض زاخر بالأفذاذ، فلم يَقصُر دوره على سموق القامة في آفاق الأدب والشعر، أو الاكتفاء بتبوُّء المراتبا علية بين شعراء الضاد في فترة الاحتلال البرتغالي للخليج العربي، بل نراه متقدماً حركة النضال الوطني مع الثوار لتحرير وطنه من الاستبداد التركي بزعامة الشيخ عبد الله بن ناصر بن مقلد في القطيف، وفي البحرين يبدو دوره في تخليصها من الاحتلال البرتغالي أكثر وضوحاً بمعاضدة السيد حسين بن عبد الرؤوف الحسيني الجد حفصي، وسيطاً ومباحثاً الشيخ البهائي. ومع كل هذا لم ينشغل عن نبض القافية، ونغم الحرف حتى لفت إليه أنظار النقاد والدارسين وكتاب السير، قدماء ومحدثين؛ فكتبت عنه البحوث والدراسات المستفيضة في عموم شعره، فضلاً عن القراءات المتفرقة، هنا وهناك، إن في بعض ظواهر شعره، كالوطنية، والمساجلات، مثلاً، أو في قصيدة بعينها كقصيدة (البسيطية)، أو تلك التي هزئ فيها من أدعياء الشعر.
ولا نود أن نسبق القارئ في الحكم على الكتاب، أو توجيه عنايته إلى ما بذله المحقق فيه من جُهد، سواء في التقاط الحلقات المفقودة من تاريخ المنطقة ووصلها بعضها ببعض، متجاوزاً الأسلوب التقليدي للتحقيق، محافظاً على المنهجية العلمية والرصانة، بل الذهاب إلى ما هو أعمق في البحث في الحقب الزمانية والمكانية التي أحاطت بالخطي، وأثرت في تكوين شخصيته الأدبية والسياسية، فضلاً عن فك الرموز، وحل مغالق التاريخ، ومجاهل الجغرافيا، غير مقتصر على القواميس وكتب التراجم وأمهات الكتب، وإنما ذهب إلى ما هو أبعد، فتراه يحلل، ويستنتج حتى لتحسبه مغرقاً في الخيال، لكنه يفاجئك بنتائج علمية مسنودة بدعائم المنطلق، وركائز التوثيق. فهو يستدعي، بذكاء وشجاعة، الأسباب والشواهد ليحللها بتجرّد عن أية مسلمات أو أحكام واستنتاجات مسبقة بل إنه، على العكس من ذلك، يقف عند تلك المسلمات يناقشها، ويبين مواطن الخلل فيها لافتاً النظر إلى ما غفل عنه سابقوه، أو أهملوه من الجوانب.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد