تفرض قصيدة النثر نفسها على الساحة الثقافية العربية والعمانية على وجه الخصوص بحيث يصعب تجاهلها، فهي تفلح بما تمتلك من تقنيات مدهشة في أن تحفر لها مكاناً في أذهاننا فيصعب علينا نسيانها. ففي المنجز النصي الموسوم بـ"سوار الحب" للشاعر العمانية تركية البوسعيدي تجد نسقاً جديداً...
تفرض قصيدة النثر نفسها على الساحة الثقافية العربية والعمانية على وجه الخصوص بحيث يصعب تجاهلها، فهي تفلح بما تمتلك من تقنيات مدهشة في أن تحفر لها مكاناً في أذهاننا فيصعب علينا نسيانها. ففي المنجز النصي الموسوم بـ"سوار الحب" للشاعر العمانية تركية البوسعيدي تجد نسقاً جديداً لكتابة قصيدة النثر التي تغادر فضاءاتها الشعرية، لتغدو أداة من أدوات السرد السيري بل والقصصي، إلا أنها تنحاز إلى تدوينها الطباعي لتعلن عن هذه المغادرة عبر نصوصها العشرين التي هي أشبه ما تكون بمسارد درامية تعكس رؤى الشاعرة إزاء الراهن بإشكالياته الإيديولوجية والثقافية التي تعصف بالإنسان فتذروه حطاماً على ساحل الحرمان والانكسار. إنك في هذه المجموعة تجد صيرورة قصيدة النثر أجندة يومية تمارس الأنوثة من خلالها غواية الكتابة لتؤرخ لتفاصيل عالمها الأنثوي، وتؤثث بذلك لنمط شعري يشتغل على العابر واليومي المحلي والكوني وربما على مناخات أدب الرحلات، إذ إنك تلمح عبر مرايا النص بيئات مختلفة أرخت تركية البوسعيدي لرحلاتها إليها، فتجد القاهرة بأهراماتها وزرقة نيلها امتزاجه في مخيال النص بالإبداع والنفاسة، كما تجد وجه نجيب محفوظ وولعه بخان الخيليلي، وأيضاً تجد ألمانيا والنمسا و... تأمل مثلاً الذرة الخامسة من المحكي النصي (مجرد تأملات): في مدينة بون بألمانيا وفي وقت العصرية، توجد ساحة كبيرة في هذه المدنية تختلط بكل الأشكال والألوان، ويختلط على خطوطها الحابل بالنابل، وتلتقي كل الرؤى والأفكار من السواح، والمهاجرين من شتى بقاع العالم وخصوصاً الوجوه العربية، لأن هذه الساحة مكتظة بالمقاهي، في الجانب الآخر وجدت مساء يفترشن الحصير والقهوة العربية تدق أجراس الفناجين، فقلت لهن وكأنني جئت من كوكب آخر: نحن في بلد أجنبي وهذه الجلسة تحسب علينا بأننا أمة متخلفة ورجعية، قالت إحداهن: نحن من أصل بدوي، حتى لو سكنا القصور وركبنا الشبح".