"عدتَ يا أيها القروي المحارب؟/سِر يا غريب/إلى حيث تلتمع الكائنات الفتيّة/ثم على السفح إياه/يغفو الملاك../ملاكك مؤتلقاً كقمر"... تلخص هذه الأبيات للشاعر العماني، جوهر ومحور كل المواضيع الملتفة حوله. فبين الأصل والترحال والأماكن الأخرى البعيدة، تطفو الروح بسماتها وبأحاسيسها،...
"عدتَ يا أيها القروي المحارب؟/سِر يا غريب/إلى حيث تلتمع الكائنات الفتيّة/ثم على السفح إياه/يغفو الملاك../ملاكك مؤتلقاً كقمر"... تلخص هذه الأبيات للشاعر العماني، جوهر ومحور كل المواضيع الملتفة حوله. فبين الأصل والترحال والأماكن الأخرى البعيدة، تطفو الروح بسماتها وبأحاسيسها، وتبوح الذاكرة بما تخبئه وما تحويه، وتفلت الحيرة من معقلها، بين تناقض المعاش السابق والحاضر الحديث المتنوع. "أغادر كالبدو في زمن ليس لي، أتمادى.."، و"الديار وراءك/ذاكرة البيد جارحة.."، ولكن لا أحد يتوقع المسيرة التي ستكوّن سيرته بعد الرحيل، ولا أحد يعرف سلفاً معنى العزلة والبعاد: "والآن ها أنتَ/مرتبكٌ في الزمان على حدة كالمقولة/خُضت البحارَ التي لستَ تألفها/وتلبّست بالعزلات الأشدّ خواء ونأيا.."، و"ـ والغيابُ..؟/ـ أجل: دربنا الأوحدُ، الأوحشُ./الأوحلُ، الأعزلُ/المائلُ، الماثلُ، الماحلُ..". لغة شعرية تخرج صافية مصفاة من نبع الأعماق الحائر، المتدفق بصدق تجربته وغنى مشاعره، لتخط قصائد متنوعة الأشكال والمواضيع تتوزع على بابين "دفتر الملائكة"، و"دفتر الفراشة". في الأندلس: "أكمل نصف معجزة/وأخلع حزن باديتي القديم هناك في لغة أغادرها"، وحين مرت إحداهن بالقرب من الشاعر: "مررتِ.. رأيت أندلساً تخبئ شالها العربي/تحت شجيرة في الروح.." ماذا يخبئ المغني، وما هو حاله: "تُفلتُ النأمة من أحشائه/تدرجُ في ما يُشبه البركان/لكن المغنّي/لم يعد يأبه بالكائن والممكن واللاممكنات"، وما الذي حدث له حين"سألوه:/ـ كيف ألبّتَ الفراشات على أسوارنا؟/ كيف..؟/مراراً سألوهُ/ومراراً قتلوا فيه السماويّ الوديع". للتعبير عن الشكوى والغضب، تتخذ أشعاره أحياناً شكل قصائد طويلة موزونة ومقفاة، "سماء ولم أكمل إلى اليوم رتقها/لأصرخ بالطوفان: إني رافضُ.../لزاما ًسأجتاز المرافئ، أنمحي/أنا كل ها: الموت/ الحياة/ العوارض/ تعالي إذن يا طيف أمطار عزلتي/لك الآن قنديل المسافة وامضُ..". يعبر عن النسيان بطريقته وصوره الخاصة: "ظلاّن ببطء ينسحبان تجاه الماء/ويفترقان../ويبتعدان../ وينمحيان../ وقد نسيا القمر الذبلان وراءهما!" حين يتحدث عن "الفراشة"، يصبح أكثر شفافية وأكثر وجدانية: "ترفرف حولي/سهوتُ/ولم أنسها/بيدَ أني تركتً لها كل شيء.."، "لكنها قط لم تتعد الزجاج الأخير". ينتقي الشاعر بعناية كلمات موجزة ليعبّر في قصيدة "زائر"، وفي لوحة جميلة مميزة عن حدث الزيارة :"ويدلف للغرفة القاتمة/..يقلّب في صفحات الكتاب العتيق/يفكّك ألغازه/ـ صفحة/ صفحتان/ ثلاثون/ خمسون../ثم تفاجئه. بغتة هكذا. صفحة الخاتمة/... /يغيبُ/ ويتركُ من بعده شرفة نائمة!".