-
/ عربي / USD
الصاحب بن عباد علم من أعلام القرن الرابع الهجري جمع بين الوزارة والكتابة والسيف وكان صدراً في العلم والأدب وغاية في الكرم وجلالة القدر وفرداً من الرياسة وكثرة الفضائل فمحاسنه تربوا كثيراً على زلاته. كان الصاحب عالماً في أصول الدين وفروعه يقدم النص على العقل منحرف عن الفلسفة وأصحابها معجباً بنفسه فخوراً بعمله وأدبه مأخوذاً بمظاهر العظمة والخيلاء تياهاً على الكبراء والرؤساء حاضر البديهة قوي الحجة شديد العارضة طلق اللسان محكم الجواب سريع النكتة كثير الجدل، يتكلم بلسانه وأعضائه.
ومن يقرأ شعره يجد بوضوح مذهبه فهو يصرح به دائماً وفي أكثر من مناسبة، كقوله : قالت: فما اخترت من دين تفوز به فقلت: إني شيعي ومعتزلي". وقد كان عباد والد الصاحب ينصر مذهب الاعتزال، وكان الصاحب يفضل علياً ويرى صحة الخلفاء الثلاثة قبله، كما وكان يبغض معاوية ويزيد ابنه...
وهكذا فإن الصاحب وإن كان معتزلياً في الأصول فإن طريقته العلمية في البحث طريقة أهل الحديث الذين يعتدون بالنص أكثر من سائر الأدلة وذلك لعنايته بالحديث وروايته. وهو إن كان فارسي النسب، فإنه عربي الدين والأدب، وقد كان حبه للإسلام وإطلاعه على علوم الدين وإعجابه بأدب العرب غالباً على عصبيته الفارسية.
ومن يبحث في تاريخ الصاحب الثقافي والأدبي والعلمي يجد أنه لم ينقصه شيء من أدوات الأديب الكسبية فهو غزير العلم جم الأدب واسع الرواية على الثقافة حسن المحاضرة، قضى حياته في الطلب والمذاكرة والإنشاء والتأليف فحسب اللفظ ومتانة التركيب ورنين الأسجاع وجمال الاستعارة ولطف التشبيه ولباقة التورية، ومحكم الاستشهاد، وما إلى ذلك من أدوات التزيق والخلابة، غاية في رأي الصاحب لا واسطة.
ولغة الصاحب لغة عذبة مأنوسة لا غريب فيها ولا مستكره شأن لغة جمهرة الكتاب في عصره، فإنهم كانوا يتوخون السهولة والوضوح في المفردات، وما يروى عنه من الغريب والوحشي الذي كان يمتحن به الطارئين عليه من الأدباء محمول على سبيل التحدث بنعمة العلم وإظهار البراعة في الحفظ والرواية ولكنه لم يستعمله في نثر أو شعر.
والصاحب ولوع بالسجع سبق به جميع من تقدمه من الكتاب، ولم يقف غرامه بالصنعة عند السجع فحسب بل كان منقاداً في أسلوب إلى الصنعة في كل جزء من أجزاء الجملة، فهو لم يكن يقنع بتسجيع الفواصل، بل كان يعني بالمزاوجة بين أوائل الجملتين وأواسطهما فيأتي بالكلمة وأختها واللفظة ولفقها حتى تكون جملتيه سجعاً في سجع.
وبدأ للصاحب أن يسن طريقه في التكيف غاية في الغرابة وذلك أنه نظم قصيدة في مدح آل البيت تبلغ سبعين بيتاً معراة من حرف الألف، ثم عمل قصائد كل واحدة خالية من حرف من حروف الهجاء.
وعلى الرغم من القيود التي غل الصاحب بها نفسه فإن الناظر في آثاره، وتحديداً في ديوانه الذي بين يدينا يلمح نفساً حساسة شاعرة تطال جمال الطبيعة في شتى مظاهرها فتطرب لخرير المياه، وتعشق لطف الأزهار، وتثمل بعبيرها كما ترتاح لمنظر الثلج وتخشع أمام سعة الفضاء في الأرض والسماء وما إلى ذلك من مظاهر الطبيعة في جلالها وجمالها، لذلك فقد أكثر الصاحب من وصف الرياض والبساتين والأزهار والرياحين والأشجار والفواكة والثمار وأحوال الأجواء والأنوار في نثره وشعره.
وللدلالة على شيوع الروح العربية والثقافة الإسلامية في أدب الصاحب، ككثرة الاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف وإيراد النكات الدالة على معرفة بأحكام المذاهب والفرق والاستشهاد بأمثال العرب والتمثل بأشعارهم والإشارة إلى أجوادهم وفرسانهم وشعرائهم وخطبائهم، في نثره وشعره.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد