-
/ عربي / USD
كان حافظ إبراهيم لسان عصره الذي عاش فيه، وصوت الشعب الذي أنجبه، ولم يكن العصر يحتاج إلى ارفع من هذه الطبقة، ولا كان الشعب يقدر أن يحسّ روحه إلا في مثل شعر حافظ إبراهيم. فقد عاش الشاعر في عصر مضطرب، مغلول بقيود لا حصر لها من مقاليد وضعف وخضوع للأجنبي وهيمنة لفئة قليلة من الناس على سائر الأمور، في الوقت الذي كان يشهد فيه الشرق صحوات قومية هنا وهناك، وتمرد على القديم البالي وتشوف إلى الجديد الوثاب. ولم يكن للشاعر، إلا أن يسمع ويحاول أن يعبّر عن عصره بحيث يكون شعره صدى ما يجيش في ضمائر الناس وما يدور على ألسنتهم لا أكثر ولا اقل. وقد سُلّم لحافظ بأمور ثلاثة: قوة العاطفة، وحسن الصياغة،و جمال الموسيقى، وهي وسائل ضرورية للشاعر، وهو لم يخرج عن إطار القصيدة التقليدية، ما خلا وثبات عابرة، وقد تومض في رأسه الخطرة الفذة التي تجعله يقول، متحدثاً عن الشعر: صنعت بين النهى وبين الخيال، يا حكيم النفوس يابن المعالي، صنعت في الشرق بين قوم هجود، لم يفيقوا وأمة مكسال، قد أذالوك بين أنس وكأس، وغرام بظبية أو غزال، ونسيب ومدحة وهجاء، ورثاء وفتنة وضلال، وحماس أراه في غير شيء، وصغار يجرّ ذيل اختيال، عشت ما بينهم مذالاً وضاعاً، وكذا كنت في العصور الخوالي. إلى أن يهتف في النهاية بهذا الهتاف الفياض بالفجيعة والتمرد والتطلع الجديد: "آن يا شعر أن نفك قيوداً، قيّدتنا بها دعاة المحال، فارفعوا هذه الكمائم عنّا، ودعونا نشم ريح الشمال".
وبعد فهذا ديوان حافظ إبراهيم المتوهج بالعاطفة والخيال والنغم الجياش والعبارة السهلة المتسمة بالسلاسة والتأثير وجمال التصوير، ولا يضيره أن تكون القصائد التي من هذا النوع قليلة عنده، فما أكثر ما يكتب الشعراء وما أندر ما يبقى من أعمالهم مما يواكب مسيرة البشرية جيلاً بعد جيل ويبقى على مرّ الأزمان الوردة اليانعة المتفتحة أبداً، المعطاء بوهج الشعر بكل ما تحمله كلمة الشعر من معان، وما تصدح به من أنغام.
وهذا هو ديوانه قد صدر بهذه الطبعة التي تمّ الاعتناء بها ضبطاً مع إضافة شروح وتعليقات ملائمة، وبحيث تمّ ترتيب القصائد ضمن ترتيب ألفبائي مما يسهل مسألة الرجوع إلى ما يبغي القارئ من نصوص، وفي هذا كله يجدد الصلة بديوان من أجلّ دواوين الشعر العربي الحديث وأجودها سبكاً وألطفها عبارة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد