-
/ عربي / USD
يستعطف، يسترحم، يتذلل.. يمدح، يرثي، يهجو، يعاتب. وقسم كبير من شعره كان في الزهد والموعظة وضرب المثال للناس والتذكير بالعاقبة. تناقض غريب بين مذهب الشاعر الفني في الزهد وبين سيرته الذاتية. فهو ينتقد البخل والبخلاء وينغمس في جمع المال والإقتار على نفسه وعائلته، حتى إنه أصبح حديث الظرفاء وموضع تندرهم وسخريتهم.
يدعو إلى الابتعاد عن حبّ الدنيا والرغبة فيها ويذكر الآخرة وقربها من كل إنسان، ثم تراه يسعى وراء الخلفاء ورجال السلطة ويتوسلهم ويتذلل إليهم يتحمل منهم الغضب والسخط وأحياناً الضرب والسجن مقابل رضاهم وبعض مال يقدمونه مقابل الشعر. أي انقباض نحسه عندما نقرأ شعر أبي العتاهية المليء بذكر الآخرة والحساب والرجاء، ونحن نعلم أن هذا الإنسان أبعد ما يكون عما يكتبه ويعظ به.
وعلى هذا فالشاعر مكثر مشهور بين شعراء الدولة العباسية، استطاع بفضل موهبته الشعرية وباقتحامه عالم القصور والخلفاء أن يصل إلى الشهرة وجمع المال. شق طريقه خارجاً من عالمه الوضيع البسيط، حيث كان والده يعمل حجاماً وحيث اشتغل هو في بداية حياته في صناعة الجرار، ولعلّ أصله الوضيع أثر في منحاه واتخاذه منهج الزهد وتفضيل التقوى على الأصل والعزّ والنسب، وكلّ هذا طبعاً يقتصر على الشعر وحده. وها هو يعتذر عن مهنة والده فيقول: "ألا إنما التقوى هي العزّ والكرم، وحبك للدنيا هو الفقر والعدم، وليس على عبد تقي نقيصة، إذا صحح التقوى، وإن حاك أو حجم".
وأبو العتاهية لم يتمكن من الثقافة العربية الأصلية ذات النمط الجاهلي، فمال إلى اللفظ السهل المأنوس القريب من الطبع، وهذه السهولة في الأسلوب كانت تقوده أحياناً إلى تساهل في التركيب يؤدي إلى ركاكة فاضحة بكثرة المكرر والساقط والمرذول.
وهذا الكتاب الذي بين يدينا يجمع ديوان أبي العتاهية كاملاً، وموزعاً على حروف المعجم، كما ويجمع من الهامش شرحاً للعديد من المفردات والمصطلحات الصعبة التي استخدمها أو العتاهية في الديوان.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد