الشعر كغيره من الفنون التي تأثرت بفعل التطورات في العصر العباسي، فقد إمتد هذا العصر من سنة 132هـ-656هـ. وكان بين هذين التاريخين، أحداث وصراعات وتناقضات كبيرة وظاهرة، وكان هناك تغيرات في جميع المناحي السياسية والثقافية والإجتماعية. وكان الشعراء يمثلون عنصراً كبيراً في الإطلاع على الأحداث وتسجيلها ونقلها، سيما وأنهم انوا يصاحبون الخلفاء والأمراء، أو كانوا ندماء، أو ينتقلون مع الجيوش أو ربما خاضوا الحروب إلى جانب القادة. وكان لاتساع الدولة العباسية، أثر كبير في رحلات الشعراء والإطلاع على ما يجري في الولايات التي إنضوت تحت سيادة دولة بني العباس التي ترامت أطرافها، فكانت الصراعات الكبيرة بين عناصر هذه الدولة ثم كانت التعقيدات التي نتجت عن التناقضات بين هذه العناصر.
تأثر الشعراء بكل هذه المجريات، فالشاعر صاحب إحساس وتأثر فنهض يتصدى بالمدح أو الرئاء أو الغزل أو الهجاء ويصف كل ما يقع تحت سمعه وبصره، ولذلك جمع المؤلف مادة هذا الكتاب وأشعار الشعراء التي تعتبر سجلاً ادبياً وتاريخياً ووصفاً حساساً لما دار في العصر العباسي. وجعل منهاج الكتاب يقوم على ذكر إسم الشاعر وكنيته ولقبه وتاريخ ولادته ووفاته والمكان الذي ولد فيه. كما ركز على تنقلات الشاعر والأماكن التي زارها أو عمل فيها، والرحلات التي قصدها والوظائف التي شغلها، ثم بيَن أتصالاته سواء مع الخلفاء أو الأمراء أو القادة أو مع شعراء آخرين، ثم إنتقل إلى بيان ما خلفه من كتب. علماً بأن كثيراً من الشعراء كانوا أدباء أو خطباء فجمعوا بين فنون الأدب، وتركوا ذخيرة عالية من أسماء مؤلفاتهم التي أصبحت عيوناً للأداب في عصور تلتهم وأثبت في الكتاب شعراء مخضرمين بين الدولتين الأموية والعباسية، ثم شعراء الدولة العباسية، وقد إختار لكل شاعر من شعراء هذا العصر نماذج شعرية توضح خصائص الفترة التي عاشها الشاعر، وربما تعكس خصائصه النفسية والإجتماعية والفكرية والأدبية.