-
/ عربي / USD
عند وقوع الهدنة الأولى (في حرب فلسطين) لم يكن بيد الجيش العربي الأردني من أعتدة الأسلحة الثقيلة ما يكفي لحرب يومين اثنين. ولقد كان سفرنا إلى مصر في تلك المدة من الهدنة وعرضنا ما نعلم وسألنا المرحو النقراشي باشا عن نيات مصر، فأكد لنا الإخلاص للقضية والدوام في النضال حتى التوفيق التام، وعرضنا على المقام الملكي في مصر الرغبة في أن نزور مركز القيادة المصرية العليا في فلسطين بصفتنا القائد العام، فأشير إلى أن هذا لا يناسب، ما دام أن جلالته لم يزر الجبهة بنفسه، ثم عرضت لزوم زيارة جلالته للقدس الشرف، فذكر خطر الطيران، فأعدت التكليف بأن ذلك ممكن عن طريق السويس - العقبة - عمان، فأبديت أعذار أخرى ... وعلى حال لم نتوفق لا لاستعادة العتاد المصادر (من قبل القوات المصرية) ولا لتملك ناصية الحرب بكامل قوة القيادة الموحدة، ولا بدعوة جلالته لتنفيذ الغرض المنوه به، أعني لم تكن قوات الدول الأربع من حيث الأمر والنهي تابعة لوكيل القائد العام المسؤول عن كل الجيوش ... ثم حدث السفر إلى نجد وكانت الجامعة في حالة اجتماع بمصر، وقد وقعت الأوامر منا إلى رئيس وزرائنا حينذاك توفيق باشا أبو الهدى بأن لا يقبل نقض الهدنة الأولى مهما كان، ولو استقالت الحكومة، قبل أن تمتلىء يد الجيش بما يقتضي من الأعتدة الثقيلة والخفيفة، ولكن بكل أسف أبلغت نقض تلك الهدنة ساعة وصولي إلى بغداد في طريق عودتي من الرياض، وقد أخبرني بها فخامة السيد الباججي، وقد حصل لي من الكرب والهم ما أعجز عن وصفه، وبالنتيجة كانت الحركات اليهودية ضد اللد والرملة فاضطرت قيادة العراق وقيادة الأردن إلى أن لا تخوضا وهما قابلتان غمار واقعة حربية عامة بأعتدة ناقصة، واحتفظتا بما في اليد لصد الهجمات المعادية مهما أمكن من أي ناحية تصادفها، وهذا أكبر دليل على سوء إدارة الجامعة العربية وما يلحق دولها من اتباع سياستها الخاطئة الفاشلة ... هذا بعض ما رأينا البوح به الآن".
على هذا القدر الدقيق من التفصيل يروي جلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين (رحمه الله) صورة الوضع العربي إبان حرب فلسطين، إلا أنه يشير قبل ذلك وبنفس التفصيل إلى مواقف وقضايا الثورة العربية الكبرى منذ اندلاعها وانتصاراتها، ثم قيام جلالته بإنشاء إمارة شرق الأردن فالمملكة الأردنية الهاشمية.
إنها ليست مجرد مذكرات وأعمال لرجل حكم جزء من بلاد العرب في حقبة زمنية، با هي في المقام الأول تأريخ دقيق لمرحلة من أهم وأخطر المراحل في تاريخ أمتنا العربية، وهي وثيقة شاهدة على وقائع ومجريات لم تزل آثارها وتبعاتها قائمة إلى يومنا هذا.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد