"إحلال العدل" هو واحد من الأحكام الإسلامية الذي يمثل التطبيق العملي لهذه الأحكام في الهند البريطانية والخليج العربي، وهو يعني إقامة العدل بين الناس من خلال القضاة، وتبني الأنظمة والقوانين العامة والسوابق القضائية وتطويرها المستمر، لتلبية المتغيرات في حاجات المجموعات،...

"إحلال العدل" هو واحد من الأحكام الإسلامية الذي يمثل التطبيق العملي لهذه الأحكام في الهند البريطانية والخليج العربي، وهو يعني إقامة العدل بين الناس من خلال القضاة، وتبني الأنظمة والقوانين العامة والسوابق القضائية وتطويرها المستمر، لتلبية المتغيرات في حاجات المجموعات، والظروف المتلاحقة، وإتخاذ القرارات الصائبة لها، كما يشير إلى تنظيم الفرد والأساليب الروتينية، لتفعيل شبكة المحاكم العاملة والمنتشرة في البلاد.
وإلى ذلك، فإن نطاق هذه الدراسة سيكون بمثابة تقدير للعمل المنجز في حقل الإدارة القانونية، من قبل بعض المؤسسات القضائية الرئيسية والعاملة برعاية الشركة البريطانية لشرقي الهند حتى عام 1857م، ثم بإمرة التاج البريطاني حتى عام 1947، ومعها الإدارة في رئاسات كل من البنغال ومدارس وبومباي.
وقد أوكل إلى الرئاسات مهمة الإدارة القضائية في المصانع والمنشآت الخاضعة للحماية البريطانية في الخليج العربي، وسيكون المنهج في ذلك خارجياً ومختلفاً عن النهج الداخلي للإجتهادات التحليلية، عندها سينظر إلى الإدارة القانونية إستناداً على خلفية تكون المجتمع والمعتقدات العرقية والسياسية والإجتماعية السائدة في ذلك الزمن.
من هنا، فإن هدف المؤلف من هذا الكتاب هو نتبع منشأ ونمو المؤسسات القضائية في القسم الغربي من الهند والخليج العربي، كما كانت عليه مع نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر.
من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يغني المكتبة العربية، إذ ليس هناك من سبق المؤلف إلى تناول هذا الموضوع بهذه الدقة والأمانة، أضف إلى ذلك أهمية المؤلف وباعه الطويل في هذا المجال، إذ أن سالم العريض لم يكن قانونياً متمرساً فقط؛ بل كان عالماً فذاً، أمضى الجزء الأخير من حياته في الكتابة حول الممارسة القانونية.
وهذا ما استلزم دراسة معمّقة ومكثّفة لموسوعات قانونية تاريخية عدّة، ومعرفة (واسعة) بالنظم القانونية السائدة في الهند الغربية والبحرين وبلدان الخليج العربي الأخرى، كما استلزم الإطّلاع الدقيق على العادات الإجتماعية في هذه البلدان.
ولقد قدّم في كتابه هذا تفسيرات قيّمة وفريدة حول العديد من المسائل القضائية المعاصرة، المرتبطة بالممارسات الإجتماعية والثقافية داخل المجتمع الهندي، والقوانين المعمول بها في المحاكم البريطانية المشتركة والقائمة على الخليج العربي، للحكم بشؤون الرعايا البريطانيين المسلمين ورعايا الديانات الأخرى.
ولقد سالم العريض عام 1902 ونشأ في بيت اشتهر بالعلم، وكرم الضيافة والسمعة التجارية الحسنة، فقد كان والده، وأجداده من قبله، يعمل في تجارة اللآلئ، والذي كان يتردد إلى البلاد الهندية لنقل أو بيع اللآلئ هناك، وذلك بعد إزدهار هذه التجارة بين الهند والبحرين.
تلقى الإبن علومه المدرسية والجامعية في بومبي، وأمضى فيها ردحاً من الزمن، وفي عام 1919 تكثفت زياراته إلى البحرين، ومع حلول عام 1930 عاد واستقر فيها على الدوام، حيث شغل فيها مناصب مهمة، وقد ساهمت السنوات التي أمضاها في الهند كمحامٍ بارز في إكتساب الخبرة المطلوبة للإستمرار في العمل نفسه بكل ثقة ونجاح.
وفي تلك الفترة، كانت البحرين تعمل على إرساء الأسس لبناء دولة حديثة، فقام سالم العريض حينها بوضع مداميك إنشاء المحاكم القانونية، بعد أن كان النظام القانوني قبل ذلك يعتمد على الشريعة وحدها؛ بالإضافة إلى ذلك كان أحد الرواد الذين أعدّوا الإطار العملي الفعلي للنظام القانوني في الأربعينيات، وقد تم تعيينه مديراً للمحاكم في البحرين عام 1942م، أي في السنوات الأخيرة من حكم الشيخ حمد آل خليفة.
بالإضافة إلى ذلك، كان لسالم العريض مساهمات في ترجمة قضايا المحاكم الأجنبية من الإنكليزية إلى العربية والعكس، كما وفي تحديد المصطلحات المستخدمة في إنشاء العقود والقوانين المتعلقة بالإتفاقيات النفطية بين حكومة البحرين والبلدان الأجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أن سالم العريض لبث في تأليف كتابه هذا سنوات طوال؛ إلا أن القدر شاء أن يطفئ شعلة الحياة فيه قبل أن يتسنى له نشره، وجاءت المبادرة في نشره من قبل نجله د. أحمد العريض الذي أعطاه حقه، وأغناه بفصل إضافي هو الأول في هذا الكتاب الذي تألف من مجلدين.
وكان عبارة مقدمة جغرافية وتاريخية وسياسية، فيعطي القارئ بذلك فكرة الموقع الجغرافي والتاريخي لدولة البحرين بالإضافة إلى المناخات السياسية في تلك الفترة.