تشكل المرحلة التاريخية ما بين سنتي 1958-1963 نقطة تحول مهمة في تاريخ العراق المعاصر، نظراً لما شهدته تلك المرحلة من وقوع أحداث خطيرة ومهمة تمثلت في سقوط النظام الملكي في العراق وإعلان الجمهورية، وما أعقب ذلك من أحداث وتطورات على الساحة العراقية بوجه عام والساحة الكوردية بوجه...
تشكل المرحلة التاريخية ما بين سنتي 1958-1963 نقطة تحول مهمة في تاريخ العراق المعاصر، نظراً لما شهدته تلك المرحلة من وقوع أحداث خطيرة ومهمة تمثلت في سقوط النظام الملكي في العراق وإعلان الجمهورية، وما أعقب ذلك من أحداث وتطورات على الساحة العراقية بوجه عام والساحة الكوردية بوجه خاص. لقد انعكست أحداث وتطورات تلك المرحلة على الحركة التحررية الكوردية في كوردستان الجنوبية (العراق)، فقد شهدت هذه الحركة خلال تلك الحقبة تطوراً ملحوظاً قياساً إلى الفترات السابقة، وبشكل أكبر سواء على صعيد تنامي ظاهرة الوعي القومي لدى العديد من الأفراد والطبقات في المجتمع الكوردي، أو على صعيد تصاعد النشاط السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولا سيما بعد عودة الملا مصطفى البارزاني إلى العراق، إضافة إلى ما شهدته تلك المرحلة من صراع بين الأحزاب العراقية المختلفة، وبالأخص حول مواقف تلك الأحزاب من الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة وحركة الشواف في الموصل وحوادث كركوك واندلاع ثورة أيلول الكوردية. تكتسب الحركة التحررية الكوردية في العراق، ضمن نطاق المرحلة التي نحن بصددها، بأحداثها وتطوراتها أهمية كبيرة، ولأسباب معروفة لم تحظ وقائع وتطورات تلك المرحلة بما تستحق من اهتمام، مع العلم أن تلك الأحداث والتطورات تؤلف صفحة مضيئة من تأريخ كوردستان العراق مع التأكيد على أهمية وقيمة كل الجهود التي بذلها الباحثون والمؤرخون الذين تناولوا جوانب أخرى من حياة كوردستان العراق السياسية إبان تلك المرحلة، حيث تنطوي هذه المرحلة بنهوض فكري وسياسي كوردي نوعي أدت فيه كوردستان دورها التاريخي الجدير بالبحث والدراسة وإلقاء المزيد من الضوء على ذلك. ولسد هذه الثغرة تأتي الدراسة التي بين يدينا واليت تؤرخ لقيام الحركة القومية الكردية التحررية في كردستان العراق 1958 و1963. وهي تتألف من مقدمة وأربعة فصول وخلاصة وملاحق، تناول الفصل الأول، وهو فصل تمهيدي، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كوردستان العراق بعد الحرب العالمية الثانية، إن هذا الفصل يلقي الضوء على التطورات التي شهدتها الحركة التحررية الكوردية في كوردستان الجنوبية (العراق) على المستوى الوطني والقومي، مثل دورها في جمهورية مهاباد، ووثبة كانون 1948، وانتفاضة تشرين 1952، ودعم قضية مصر إثر العدوان الثلاثي 1956، والأحداث التي شهدتها العراق وكوردستان حتى ثورة 14 تموز 1958. أما الفصل الثاني فقد كرس لتوضيح دور الكورد في ثورة 14 تموز 1958 وتأييدهم لها منذ الوهلة الأولى، وموقف الحكومة العراقية الجديدة من الكورد، ومشاركتهم في مجلس السيادة، والتشكيل الوزارية الأولى، وإصدار الدستور المؤقت للبلاد التي اعترفت لأول مرة بشراكة العرب والكورد في العراق، وإقرار حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية، وكذلك عودة الملا مصطفى البارزاني إلى العراق ودفاعه عن الجمهورية العراقية ضد الحركات المناوئة لها، والتطورات التي حدثت في الحياة السياسية في العراق وتأثيرها على كوردستان، والتطورات التي حدثت في الحزب الديمقراطي الكوردستاني. وتطرف الفصل الثالث إلى توتر العلاقات بين قيادة الحركة التحررية الكوردية والحكومة العراقية واندلاع ثورة أيلول 1961 وأسبابها وظروف اندلاعها واستمرارها بقيادة الملا مصطفى البارزاني، والتركيز على أهم المعارك التي حدثت في كوردستان الجنوبية (العراق) حتى سقوط عبد الكريم قاسم في 8 شباط 1963. أما الفصل الرابع فقد بحث في موقف الأحزاب السياسية العراقية من الحقوق الحركة القومية التحررية الكوردية خلال المرحلة 1958-1963. أما الخلاصة فقدمت ملخصاً مركزاً لموضوع البحث وثبت فيها بعض الاستنتاجات التي توصلت إليها.